موضوع: الهجرة وجمال أهل المدينة المنورة الأحد نوفمبر 23, 2014 9:20 am
أراد الله إعزاز رسوله صلى الله عليه وسلم عند دخول المدينة المنورة فلم يجعله يدخل دخول الخائفين أو الفارين وإنما جعله يدخل دخول الفاتحين فانظر معى إلى عناية الله فى تجميل نبيه وصفيه ليدخل المدينة دخول الفاتحين
سمعت قبيلة اسمها أسلم عن الجائزة التى جهزها الكفار لمن يأتى بالنبى صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً ، فخرج رجل منهم يُسمى بُريدة الأسلمى ومعه سبعين رجلاً مدججين بالسلاح يبحثون عن النبى فى الطريق الذى سلكه ليظفروا بالجائزة
وبينما هم سائرون إذا بالنبى أمامهم ، فقال له صلى الله عليه وسلم: مَن الرجل؟ قال: بُريده ، فالتفت إلى أبى بكر وقال: بَرُد أمرك يا أبا بكر ، ثم قال للرجل: ممن الرجل؟ أى من أى قبيلة؟ قال: من أسلم ، فالتفت إلى أبى بكر وقال: سلمت يا أبا بكر، فقال الرجل: ومَن أنت؟ قال: أنا محمد رسول الله
لم يتنكر ولم يتخفى لأنه يعلم أن الله يؤيده ويعززه وينصره – فشرح الله صدر الرجل للإسلام وشرح الله صدور من معه للإسلام فدخل السبعون فى الإسلام ، وقال الرجل: يا رسول الله أتدخل المدينة هكذا؟ لا والله لا يكون ، فخلع رباط عمامته – الشال الذى يضعه على عمامته – وركزه على رمحه على هيئة عَلَم
وصفَّ السبعين رجلاً وقسمهم إلى صفين ، صف عن اليمين وصف عن اليسار ، وقال: يا رسول الله أنا أتقدم أمامكم وأنت تمشى فى مؤخرة الصفين
ليدخل المدينة صلى الله عليه وسلم دخول الفاتحين ومعه كتيبة جهزها له رب العالمين ليكون بذلك إعزازاً لحضرته وتقويةً لإرادته وعبرة لنا أجمعين لنتقى الله ونعلم صدق قول رب العالمين: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلاق
وسار النبى صلى الله عليه وسلم بهذه الكتيبة الإلهية ، هل يدخل المدينة بهذه الهيئة وثيابه كانت تغيرت من أثر السفر؟ قيَّد الله وهو العزيز أن يُعز نبيه ، فكان عبد الرحمن بن عوف فى تجارة فى بلاد الشام ووجد ثوباً لا يصلح إلا للملوك ، فقال فى نفسه: أشترى هذا الثوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان الزبير بن العوام أيضاً فى بلاد الشام ورأى ثوباً آخر يضاهى الأول من ثياب الملوك ، فقال: أشتريه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هذا الثوب لا يليق أن يلبسه إلا حضرة النبى
وقبل مدخل يثرب بقليل إذا بعبد الرحمن بن عوف وإذا بالزبير بن العوام ومعهم الثياب المخصصة للملوك ، فجاء الإثنين معاً وقالا: يا رسول الله لا تدخل المدينة بهذه الهيئة ولكن البس هذه الثياب التى لا تليق إلا بالملوك لأن الله يُعزك دوماً وينصرك أبداً على الدوام ، فلبس النبى ثياب الملوك ومشى والجند عن يمينه وعن يساره داخلاً المدينة المنورة
فى بيت من ينزل حضرة النبى؟ من يحظى بهذا الشرف؟ كان الأنصار أجمعين حريصين على هذا الشرف الكبير ، فوقف كل رجل منهم أمام داره ينتظر موكب النبى ويَعزم عليه أن ينزل فى ضيافته ويقول: يا رسول الله انزل هاهنا ، هنا كرم الضيافة هنا العدد وهنا العدة هنا أهلك وذويك هنا ناصروك ، ولكن النبى يشير إلى الناقة ويقول: دعوها فإنها مأمورة
ومشت الناقة حتى أتت إلى مكان كانوا يضعون فيه البلح ليجف ويصير تمراً وبركت فى هذا الموضع وجاء الجميع يتسابق لأخذ عتاد رسول الله ليكون عندهم فسبقهم أبو أيوب الأنصارى وأخذ عتاد النبى عنده
وذهبوا للنبى فقال: الرجل ينزل حيث ينزل رحله ثم دخل عند أبى أيوب ، وقال: يا أبا أيوب أين كتاب تُبَّعْ؟ فقال: يا رسول الله والذى بعثك بالحق إننا دائماً وأبداً نزيد فيك يقيناً
ما قصة كتاب تُبَّع؟ تُبَّع رجل غزا المدينة قبل هجرة النبى بثلاثمائة عام وكان اليهود هاجروا إلى المدينة لعلمهم أنها موطن هجرة خاتم الأنبياء والمرسلين فلما أراد تُبع دخولها أرسلوا إليه وقالوا: إنك لن تستطيع دخولها لأنها موضع هجرة النبى الذى سيبعث فى آخر الزمان ، وذكروا له أوصافه التى قال الله عنها فى القرآن ومعرفتهم برسول الله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} الأنعام20
وكان تُبع معه جمع من العلماء يسيرون معه فجمعهم فسألهم فصدَّقوا ما قال اليهود ، فبنى لكل رجل من هؤلاء العلماء بيتاً فى المدينة من طابق واحد وأعطاه زاداً ونفقة وزوَّجه بجارية وأمره أن يقيم إلى حين بعثة النبى فينصر النبى
وبنى لزعيم العلماء بيتاً من طابقين ، وقال له: هذا البيت أمانة عندك فإنى قد بنيته للنبى فهو ملك للنبى صلى الله عليه وسلم ، ولذلك ذكره صلى الله عليه وسلم: { أول من آمن بى تُبَّع } وترك رسالة وجعلها فى حُقٍ من زمرد عند هذا الرجل زعيم العلماء كتب فيها{1}:
وجَالدتُ بالسْيفِ أعداءه وفَرجُتُ عن صَدْرهِ كل هم
فاطَّلع النبى على الرسالة وعلِم أنه نزل فى بيته الذى بناه المليك عز وجل له ولم ينزل فى بيت أحد غيره ، وكان هؤلاء العلماء هم الذين تناكح وتناسل منهم الأنصار الذين آوو النبى ونصروه فكان هذا إعجازالله للنبى
لنعلم علم اليقين أن كل من يمشى على منهج هذا النبى ويتقى الله ويصنع فى كل أحواله ما يحبه الله ويرضاه ، ويتأسى فى كل أحواله بحَبيب الله ومُصطفاه فإن عناية الله لا تتخلف عنه نَفَساً فى هذه الحياة
وكذا أُمة النبى لو صاروا أجمعين على نهج النبى وأقاموا شرع الله بينهم وجعلوا كتاب الله حَكَماً لهم فى كل أحوالهم فإن الله يدفع عنهم كل أعداءهم وينصرهم على كل من عاداهم ويجعل بلادهم مملوءة بالخيرات والمبرات: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} المجادلة21