أيَّده الله بجنود فى الهجرة وقبل الهجرة وبعد الهجرة وفى كل وقت وحين ، وأبقى الله تأييدهم للعدول من أُمته والقائمين بنشر شريعته إلى يوم الدين ، جنود لا يستطيع أحد عدَّهم: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} المدثر31
والمباح لنا منهم والذى نستطيع أن نشير إليه: جنود كونية وجنود ملكوتية وجنود قلبية وجنود إلهية ذاتية
الجنود الكونية:
أما الجنود الكونية فقد جعل الله كل عوالم الأكوان عوناً ومدداً وجنداً وعتاداً وسلاحاً وقوة لسيد الأكوان صلى الله عليه وسلم ، وأصدر الله أمراً لهم فى صريح القرآن ولا يستطيعون جميعاً أن يتخلفوا عن طاعة الله طرفة عين ولا أقل ، فقال لهم: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ} النساء64
لابد أن تكون كل الأكوان طوع أمره ، الأرض طوع أمره والشمس طوع أمره والقمر طوع أمره والبحار طوع أمره وكل من عليها وما تحتها وما فوقها طوع أمره وكل الحيوانات طوع أمره وكل طيور الأرض طوع أمره وكل حشرات الأرض طوع أمره
وكل مخلوقات الأرض عدا الكافرين والمشركين والمُبعدين كانوا جميعاً طوع أمر سيد الأولين الآخرين صلى الله عليه وسلم لا يستطيعون أن يتخلفوا عن حضرته طرفة عين ، فقد أيَّده الله بالهواء وأيَّده الله بالضياء:
فالهواء أخذ صوته صلى الله عليه وسلم ولم يوصله إلى أسماع المحيطين ببيته عندما كانوا يتحدثون مع بعضهم ويقولون: إن محمداً يزعم أن من آمن به يكون له جنان كجنان العراق وبلاد الشام ، فخرج عليهم وقال لهم: نعم أنا أقول ذلك ولكن الهواء لم يُسمعهم هذا الصوت حتى لا يتبينوه ولا يعرفوه
والضياء أخفى صورة حضرته فلم يروه ولم يتبينوه مع أنه مرَّ عليهم أجمعين ووضع على رأس كل رجل منهم حفنة من التراب لكنهم لم يروه ولم يسمعوه لأن الله أيَّده بهذه الجنود الكونية التى فى عالم الأكوان
وأيَّده الله بذلك ليس حول بيته فقط ، فإن أهل مكة عندما جمعوا جموعهم ووضعوا خططهم ، حصروا الطرق التى توصل إلى مكة ويخرج الخارج منها فوجدوها اثنى عشر طريقاً فأوقفوا على كل طريق منها جماعة من الجند الأشداء ، أربعون حول المنزل ثم كتيبة على كل طريق من الطرق التى توصل إلى مكة لمن يريد أن يدخلها ويمشى فيها ومن يريد أن يخرج منها
ومرَّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يروه ولم يعرفوه ولم يسمعوه واخترق كل هذه الحواجز لأنه يمشى بالله ومن يمشى بالله فإن الله يجعله معززاً ومؤيداً فى كل خطواته بأمر مولاه جل فى علاه
وعند الجبل صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبل كما ذكرت إحدى الروايات فى الأثر وذهب لغار حراء فقال له: يا رسول الله لا أريد أن يصيبك مكروه على ظهرى فنزل وذهب إلى غار ثور، فسمع الجبل وهو يقول: إلىَّ يا رسول الله ، إلىَّ يا رسول الله ، دعاه الجبل إليه وتولى حمايته بأمر من يقول للشئ كن فيكون
وقيَّد الله له على ما تقول الروايات المذكورة فى السِيَّر جنداً من عالم الأرض ، حمامتين وعنكبوتاً ونباتاً أو كما يذكر بعض العارفين أن الذى تمثَّل فى ذلك كله كان الملائكة المقربون وقد تمثلوا بهذه الصور الظاهرة ليوهموا الكافرين ، ولم يوجد فى الحقيقة عند الغار نبات ولا عنكبوت ولا حمام ولا يمام وإنما هى ملائكة الله والملائكة أعطاها الله قوة التشكل ، فتشكلت على هذه الهيئات لتحمى وتُخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه الرواية فى السيرة الحلبية وغيرها لمن أراد المتابعة
وهيأ الله له الأرض وكانت طوع أمره فعندما أدركه سراقة ، يُصدر لها الأمر ويقول لها: خذيه ، فتنشق وتقبض على أقدام سراقة وأقدام فرسه، فيتضرع إلى حضرته ويستغيث به، فيُصدر الأمر للأرض ويقول لها: دعيه، فتُخلى عنه وتتركه ، وتكرر هذا الأمر ثلاث مرات لنعلم علم اليقين أن الأرض كانت مسيرة ومذللة بأمر سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم