الصدق والكذب
يقول الشيخ علي بن عبدالعزيز الراجحي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
من أخلاق المسلم الصدق الذي هو مطابقة الخبر للواقع وضده الكذب وهو الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه.
والصدق من أعظم خصال الخير وهو من مكارم الأخلاق التي جاء الشرع بتأكيدها والأمر بها . فهو خلق رفيع يتمثله الأفاضل من الناس ، ويتنكب عنه الأراذل ، ولذلك كان وصفاً ملازماً للأنبياء عليهم السلام ، وضده ما كان ملازماً للمنافقين واشباههم .
والأمر بالصدق جاء في القرآن الكريم قال الله تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) .(سورة التوبة آية 119) وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً " .(رواه البخاري برقم 6094 ومسلم برقم 2607).
والصدق أقسام :
1ـ الصدق بالقلب فالمؤمن يجب أن يكون صادقاً بقلبه فلا يخالف ظاهره باطنه .
2ـ الصدق بالأفعال سواء التي بينه وبين الله تعالى أو بينه وبين الخلق فلا يغش ولا يخلف إذا وعد قال تعالى (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) (سورة الأحزاب آية 23) 3ـ الصدق بالأقوال فلا تخالف الواقع ولا تخالف أفعال صاحبها قال تعالى: ( يأيها الذين ءامنوا لم تقولوا ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) . (سورة الصف آية 2،3)
والصدق له ثمرات :
1ـ الصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة .
2ـ الصادق محبوب عند الله ، وعند الناس .
3ـ الصدق ينجي صاحبه من المهالك في الدنيا والآخرة .
الكذب :
والكذب هو الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه وقد يكون في الماضي كأن يقول فعلت وهو لم يفعل وقد يكون في المستقبل كأن يقول سأفعل وليس في نيته أن يفعل .
والكذب لا يجوز في جد ولا هزل بل كله خلق مذموم إلا ما دعت إليه ضرورة كالكذب لإنقاذ معصوم الدم من قاتل أو لتحصين مال من غاصب ، ونحو ذلك .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : (لا يصلح الكذب في هزل ولا جد) .(رواه البخاري في كتاب الأدب المفرد برقم 387) ويعظم الكذب إذا ترتب عليه ضرر أو فساد ، ويعتبر أعتياد الكذب من كبائر الذنوب .
و الكذب أنواع :
1ـ الكذب على الله تعالى وذلك مثل أن يتكلم في دين الله بغير علم أو يقول قال الله كذا ويذكر شيئاً لم يقله الله تعالى ، أو يقول : الله يعلم أني فعلت كذا ، وهو لم يفعله ، ونحو ذلك ، وهذا من أعظم الكذب ، قال تعالى : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ................ وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) . (سور الأعراف آية 33). وقال تعالى : ( إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ) .(سورة النحل آية 116)
2ـ الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو أيضاً من أعظم أنواع الكذب ، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم : (إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد ، فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار) . (رواه مسلم برقم 4)
3ـ شهادة الزور ، وهي من أشد أنواع الكذب ، والواجب على المرء ألاّ يشهد إلا بشيء يعلمه يقيناً ، ولا يتردد في ردّ من يطلب منه الشهادة في شيء لا يعلمه ومما يدخل في ذلك تساهم الناس اليوم بالشهادة في المحاكم ، وكتابة العدل على ما لا يعلمون .
4ـ اليمين الغموس ، وهي : أن يلحف على شيء مضى أنه حصل ، أو لم يحصل وهو كاذب في ذلك .
5ـ اختلاف القصص والأخبار التي لا أصل لها ، لإضحاك الآخرين ، أو لملء الفراغ ، وفي الصدق غُنْيَةٌ عن الحرام .
6ـ أن يقول : رأيت كذا ، ولم يره ،فعن ابن عمر رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم : (أفرى الفرى أن يرى الرجل عينيه ما لم تر)" . (رواه البخاري برقم 7043)
7ـ أن يزعم أنه رأي في المنام كذا ، وهو لم ير ، قال صلى الله عليه وسلم : (من تحلم بحلم لم يره ، كلف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل) .(رواه البخاري برقم 7042) وهذا تعذيب له على كذبه ، وفي رواية للإمام أحمد : (عذب يوم القيامة حتى يعقد شعيرتين ، وليس عاقداً ) .(رواه أحمد 1/216) والكاذب له عقوبة جاء ذكرها في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم : (إنه أتاني الليلة آيتان ، وإنهما قالا لي : انطلق ... ، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه على قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى . قال : قلت : سبحان الله ما هذان ؟ .. إلى أن قال : قالا لي : أما إنا سنخبرك .. وأما الرجل الذي أتيت إليه يشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ) . (رواه البخاري برقم 7074) فقوله (يشرشر) أي : يقطع .
والكذب له مساوئ فمن ذلك:
1ـ الكذب من خصال المنافقين .
2ـ من تكرر منه الكذب حتى صار عادة يكتب عند الله في صحائف الكذابين ، وهذا من أقبح وأشنع ما يكون ، فالمرء لا يرضى أن يصنف من قبل أهله وأصحابه في قائمة الكذابين ، فكيف يرضى أن يكون عند خالقه كذلك ؟ .
3ـ الكاذب مردود الشهادة .
4ـ الكاذب قد يرد صدقه ، لأن الناس لا يثقون بكلامه ، قال ابن المبارك رحمه الله تعالى : (أول عقوبة الكاذب من كذب : أنه يرد عليه صدقه) . (رواه ابن أبي الدنيا برقم 82)
ومن الوسائل المعينة على التخلص من الكذب :
1ـ الاستعانة بالله تعالى ، ودعاؤه أن يخلصه من هذا الداء الخطير .
2ـ استشعار سوء خاتمة الكذب بأن يكتب عند الله في صحائف الكذابين 3ـ مراقبة الله ، ومراقبة الملائكة ، وأنها تكتب عليه كل شيء .
4ـ معرفة أن الكذب قد يؤدي به إلى ألا تقبل منه جميع أقواله في المستقبل، وأنه يسقط من أعين الناس .
5ـ تصوره أن النجاة الحقيقية في الصدق ، سواء في الدنيا أو في الآخرة ، وإن ظهر له بادئ الأمر أن النجاة في الكذب .
6ـ أن يتجنب ما يدعوه إلى الكذب ، من ذلك فعل القبيح الذي يدعوه للاعتذار كاذباً ، وكثرة المواعيد التي تدعوه للإخلاف ، ومجاراة الأصدقاء الكاذبين .
وفي الختام الله أسال التوفيق لحسن الأخلاق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .