إن الكلمة لها قوة وآثار قد تفوق قوة السلاح الذي يفتك بالناس، فقد تكون الكلمة موجهة لوحدة الصف ، وقد تكون موجهة لزعزعة الاستقرار وتفرقة الأفراد ، ونشر الفتنة والبلبلة بين صفوفهم ، فالكلمة لها قوة كفوهة البركان الذي إذا ثار يصعب إخماده ، وإن لها آثارا في جميع المجالات ؛ فقد تكون لها آثار إيجابية تنعكس على غالبية المجتمع ، وتكون منتجة ، وقد تكون سلبية تؤدي بالمجتمع إلى الانحدار والدمار ، ولهذا ؛ ولما كان للكلمة الخبيثة من آثار مدمرة على الفرد والمجتمع بكثرة الإشاعات الكاذبة التي تهدف لهدم كيانه وتقويض أركانه والعمل على ضرب وحدته ، والنيل من أفراده ، ونظرا لكثرة الأفراد الذين قتلوا بسبب كلمة ، وللأزواج الذين تم التفريق بينهم وتشتيت أسرهم بسبب كلمة ، وللعائلات التي تلطخت أياديهم بدماء بعضهم بكلمة ، ولما يعانيه المجتمع من تشتت من أثر الإشاعات الكاذبة التي تساهم في حل أواصره المختلفة ؛ لكل ذلك وغيره نجد أن الكلام عن الكلمة الطيبة وأثرها في بناء المجتمع والفرق بينها وبين الكلمة الخبيثة وآثارها السيئة المدمرة أمر ضروري وهام يحتاجه كل إنسان لمعرفة النافع من الضار ، وقبل ذلك لا بد من التعريف بالكلمة ، فالكلمة لفظة ذات حدين ، إما أن تكون شمسا مشرقة ، أو نارا محرقة وهي نعمة ميز الله بها الإنسان عن سائر المخلوقات ، فهي أداة التخاطب بين الشعوب ، ودليل المعرفة ، وشاهد الضمير ولسان القضاء ، ولأهميتها ضرب الله سبحانه وتعالى بها مثلا وقال في محكم كتابه العزيز : {أَلَم تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)} [إبراهيم: 24-26] .
فالناظر والمتأمل في هذه الآيات يجد أن الكلمة الطيبة كشجرة طيبة ، جذورها عميقة ، وفروعها باسقة ، ومثمرة دائمة الخير والعطاء ، تؤتي ثمارها في كل حين ، نظيفة الثمر ، حلوة الطعم ، طيبة الرائحة ، جميلة اللون ، بعكس الكلمة الخبيثة التي لا أصل لها ولا قرار ، سيئة الثمار ، مرة الطعم ، كريهة الرائحة ، وبهذا يتضح الفرق بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة في آثارهما على الفرد والمجتمع .
إن الكلمة الطيبة لها دور عظيم في حياة الإنسان ، وبناء المجتمعات ، وهي التي تطبع الحياة بالبياض ، فبها انتشر الإسلام وكل خير ، وبها عرف الإنسان الحق من الباطل ، والفضيلة من الرذيلة ، وهي طريق الإنسان إلى الجنة ، كما أنها هي التي تؤلف بين القلوب ، وتصلح النفوس وتذهب الحزن ، وتزيل الغضب ، وتشعر بالرضا ، وهي التي تعزز ثقافة التسامح والتعايش بين الشعوب .
أما الكلمة الخبيثة ، فهي التي تطبع الحياة بالسواد ، وهي أساس فساد حياة الأفراد والمجتمعات ، وإن كل ما يجري اليوم في العالم من خصومات وعداوات سواء كان على الصعيد الداخلي للشعوب ، أو على صعيد الأسر والأفراد ، أو على صعيد العلاقات بين الدول إلا بسبب غياب الكلمة الطيبة ، وإن الكلمة الخبيثة أشد خطورة من القنابل المدمرة ، والرصاص القاتل ، والخناجر المسمومة .
إننا بالكلمة الطيبة نبني ونعمر ، وبالخبيثة نهدم ونخرب ، وهناك أدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية تدعو إلى العمل بالكلمة الطيبة والبعد عن الكلمة الخبيثة قال سبحانه وتعالى : {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)} [الإسراء: 53]، وقوله تعالى : {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، وقوله سبحانه : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] ، وقوله كذلك : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب: 70، 71] .