علماء النفس يقولون : أن الموسيقى لها دور في حياة الكثير من الكائنات الحية, ومنها الإنسان, كما أنها تلعب دوراً في إقبال الحيوانات على الغذاء , وفي نمو النباتات, حيث كشفت الدراسات التي أجريت على الحيوانات التي تعرضت للضوضاء , وللموسيقى الصاخبة , أن بنية الدماغ لديها تغيرت, وثبت أن النباتات تكره الموسيقى الصاخبة, فنباتات اللبلاب التي تنمو في منازل تتردد فيها الألحان الموسيقية الهادئة تنمو وتنتعش بشكل أفضل من تلك الموجودة داخل بيوت يشغل أصحابها الموسيقى الصاخبة, كما أننا نراها ضرورية للإنسان في حالات القراءة والدراسة , ولا تخلو جلسة أو مكان من وجود الموسيقى فيه بشكل من الأشكال , وقد ترددت فوائد كثيرة عن الموسيقى, وما يمكن أن تقدمه في مجالات شتى, وآخرها ما نسمعه عن أن الموسيقى تساهم في نمو وتطور دماغ الطفل, فهل يمكن للموسيقى أن تجعل الطفل أكثر ذكاء .
لقد توصل العالم العربي أبو بكر الرازي إلى فوائد الموسيقى قبل حوالي ألف سنة, إذ لاحظ أن بعض المرضى المصابين بأمراض تسبب آلاماً مبرحة, ينسون هذه الآلام ويشملهم الهدوء والسكون لدى سماعهم للألحان الشجية , والنغمات المطربة, فأدرك بإحساسه الدقيق المرهف, أن الموسيقى لا بد أن يكون لها أثر في تخفيف الآلام , وفي شفاء بعض الأمراض , وبعد تجارب جزم أن الموسيقى الجميلة لها أثر حاسم في شفاء بعض الأمراض , صار يعتمد عليها بوصفها أسلوباً من أساليب العلاج الطبي .
في مراكز العلاج :
دخلت الموسيقى مؤخراً ضمن برنامج العلاج والتأهيل في العديد من مستشفيات الأطفال , ومراكز علاج السرطان, في أوروبا , كما أعلن خبراء التربية إن الطفل يستفيد من الاستماع إلى الموسيقى كما الكبار, وأن الألحان الناعمة تهدئه, وعادة ما يلجأ الامهات إلى الغناء عندما يستيقظ الطفل في منتصف الليل , ويقال إن الموسيقى ربما تعمل على تقوية ونمو الاطفال الخدع, أي الذين يولدون قبل اكتمال نموهم داخل الرحم .
وتقول الدكتورة لبانة الحلبي الخبيرة في النمو لدى الأطفال : إن الباحثين من جامعة بريجهام يانج الامريكية اجروا دراسة على 32 من الأطفال الخدج, داخل وحدة العناية المركزة في مركز طبي, استخدموا فيها أشرطة مسجلة لأصوات رجال ونساء, يرددون أناشيد رقيقة للرضع لمدة 40 دقيقة كل يوم , وقد استغرقت التجربة أربعة أيام , وعندما أجرى الأطباء فحصاً للأطفال في اليوم الرابع, وجدوا أن الذين استمعوا للموسيقى اكتسبوا وزناً إضافياً , وكان ضغط الدم لديهم أقل , وضربات القلب أقوى .
تنمية الذكاء :
والموسيقى مفيدة للأم أيضاً فهي قادرة على رفع معنوياتها , وتهدئة أعصابها المتشنجة كما أنها تساعد على تقوية علاقتها بطفلها, فعندما تتمايل مع الموسيقى, على ألحان ناعمة , وهي تضم ابنها إلى صدرها , وتغني له أنشودة خاصة بالصغار أمثاله تجده يهدأ وينام .
ولكن إجابة السؤال السابق, والمتعلق بدور الموسيقى في تنمية ذكاء الأطفال , مازالت غير مؤكدة, ولا يزال الباحثون غير واثقين من هذه الحقيقة , وإذ يقول بعضهم أن تعلم العزف على آلة موسيقية يجعل الصغار أذكى في الرياضيات , ولكن هذه النتيجة مبنية على تجارب أجريت على أطفال أكبر سناً, وليس على رضع , وأطفال صغار, على سبيل المثال, أظهرت إحدى الدراسات أن درس تعلم العزف على البيانو يمكن أن يعزز قدرة الأطفال على فهم الفراغ ثلاثي الأبعاد , لكن الخبراء اختبروا فقط الأطفال الذين هم في سن الثالثة , والرابعة من أعمارهم .
وتتابع الدكتورة لبانة : يبدوا أن الأطفال الرضع يكونون قادرين على التمييز بين اللحن والكلام وحتى إذا لم يكونوا نموا إلى مرحلة تمكنهم من فهم أي شيء عن الموسيقى .
ولكي نجعل الموسيقى جزءاً من حياة الطفل ينبغي على الأم أولاً , ألا تعتمد على التلفزيون.
ثم عليها أن تجعل أية آلة موسيقية, أو جهاز موسيقي ( ستيريو أو جهاز تسجيل عادي ) على سبيل المثال, جزءاً مهماً من الاجهزة العاملة في المنزل, لأن تشغيل أشرطة موسيقية, وبعض الأغاني الهادئة , ينمي عادة الاهتمام بالموسيقى عند الطفل ويجعله عندما يكبر يعطي الألحان الموسيقية أذناً صاغية .
الحس الموسيقي :
ومن المعروف أن الصغار ينامون عند سماعهم لبعض الأغاني, لهذا ينصح الخبراء الأم بجعل صوت المسجل منخفضاً وتعتيم المكان , ولكن مع عدم ترك الغرفة حتى ينام الطفل على صوتها, فعندما ينتهي الشريط ربما يستيقظ الطفل , ويحتاج إلى قدوم الأم إلى غرفته من أجل تشغيل الموسيقى , ولهذا بدلاً من ذلك, عليها أن تسمعه بعض الأغاني, ومن ثم توقف جهاز التسجيل قبل أن يستغرق في النوم .
وتضيف الدكتورة لبانة : على الأم أن تقوم بالغناء لطفلها , ولا تقلق بشأن صوتها, فالصغير لن ينتقد أسلوبها في الغناء, بل سيحب ما تبذله الأم من جهد من أجل إسعاده , وعليها ألا تتقيد بالغناء في مواعيد النوم فقط, بل عليها أن تردد له الأغاني أثناء ملاعبته, والطفل عادة يحب أن يطرق على طبل , أو بيانو, فهو يؤلف موسيقاه الخاصة , ولكن ذلك لا يتعدى سبيل اللعب , والأطفال لا يستفيدون من العزف على أية أداة قبل بلوغهم سن الثالثة على الأقل , إذ في هذه المرحلة تبدأ الدارسات الخاصة بالموسيقى بالتشكل في دماغ الطفل .
وإذا كانت الأم تحب الألحان الكلاسيكية , وبدا لها أن طفلها يستمتع بها, فالأفضل أن تسمعه إياها , وبهذه الطريقة تجعل الأم اختياراتها المفضلة هي التي ترشدها لنوعية الموسيقى التي يحبها طفلها , يؤكد الخبراء أن أي لحن هادىء , وجميل , يدخل الحبور والهدوء إلى نفس الطفل .
ولا بد أن يكون هدف كل أم هو تنمية حب الموسيقى عند طفلها , وليس تكوين بيتهوفن آخر, ويجب أن يكون الهدف الرئيسي هو إسماع الطفل أصواتاً وألحاناً جديدة, ولا بد أن يكون الطفل هو دليل كل أم , فإذا بدا مستمتعاً بما يسمعه, فعليها إتباع ذوقه وخياره, وعندها تكون في طريقها إلى إنشاء إنسان يحب الموسيقى ويحس بها .