عادت العبارات السياسية لإطلالتها التنويرية في ملاعب كرة القدم بعد ثلاثة أعوام من الرسالة الشهيرة التي وجهها النجم المصري محمد أبوتريكة لنظام بلاده السابق المتخاذل تجاه الحصار المفروض على غزة عندما رفع قميصه لدى الاحتفال بهدفه في مرمى السودان خلال نهائيات كأس الأمم الأفريقية "غانا 2008" وكشف عن قميص آخر -بطولي أيضاً- كتب عليه "تعاطفاً مع غزة".
كلمات بسيطة خرجت من لاعب تتركز الأنظار عليه لمتابعته يسجل الأهداف فقط، لكنه فاجأ بها الملايين من الجماهير العربية التي كانت على الموعد أيضاً في "عام التغييرات" وعبارة جديدة أظهرها فتى القيروان التونسي سلامة القصداوي بعد إحرازه هدفاً في مرمى الجزائر ضمن الدور نصف النهائي لبطولة أمم أفريقيا للمحليين التي اختتمت أخيراً في الخرطوم وظفر بلقبها لاحقاً "نسور قرطاج" على حساب أنغولا.
القصداوي عرض أمام عدسات الكاميرات ورقة صغيرة حملت معان كثيرة لدى احتفاله بالهدف الثمين حيث كتب "تونس حرة" في إشارة للثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وكأن النجم التونسي يقول إن "هدفه إهداء للشعب التونسي الذي عانى الأمرين في الفترة العصيبة تحت حكم بن علي حتى نال الحرية".
تعابير سياسية مبتكرة
بين أبو تريكة والقصداوي ثلاثة أعوام كاملة فصلت بين لحظات القهر والانتصار، فبالأمس القريب كانت العبارات السياسية محدودة في الملاعب قبل أن ينهض اللاعبون للقيام بدور توعوي لدى احتفالهم بتسجيل الأهداف على الرغم من عقوبات الاتحاد الدولي "فيفا"، فبدلاً من الرقصات وحركات السخرية والقفزات البهلوانية خرج البعض بتعابير سياسية مبتكرة ومؤثرة يبرهنون من خلالها أن الرياضة عموماً وكرة القدم على وجه الخصوص طريق لحلول وتوعية سياسة.
ولا ننسى نجم اشبيلية الاسباني المحترف المالي عمر كانوتيه الذي أظهر هو الآخر تعاطفاً مع القضية الفلسطينية حين كتب على قميصه باللغات العربية والعبرية والانكليزية كلمة فلسطين على قميص أسود كشف عنه بعد تسجيل إحدى الأهداف في "الليغا".
قلق من الملاعب والمدرجات
وباتت "الساحرة المستديرة" بملاعبها ومدرجاتها التي تتسع إلى عشرات الآلاف مصدر قلق لكثير من الدول في الوقت الراهن الذي تعيش فيه دولاً عربية تحديات كبيرة تزامناً مع حركات التغيير السياسي ومطالب العدالة الاجتماعية والنهضة الاقتصادية وحتى الرياضية، إذ أقدمت أنظمة وسلطات على إلغاء مباريات ودية وقامت بتأجيل أخرى خوفاً من التجمعات الجماهيرية التي قد تتحول إلى اعتصامات ومظاهرات غضب شعبي بعيد عن الإطار الرياضي.
وكانت الجزائر قد ألغت مباراة ودية بين منتخب بلادها ونسور قرطاج استعداداً لتصفيات أمم أفريقيا المقبلة، وقامت المغرب بنقل لقاء الكوكب المراكشي ونظيره التطواني ضمن الدوري المحلي إلى ملعب المسيرة وإقامته من دون جمهور، بينما ألغت مصر مسابقة الكأس ومنعت تنظيم أي مباريات ودية استجابة لتأمين البلاد وإعادة ترتيب الأوراق الأمنية والسياسية.
تعطلت الحياة.. ولكن
صحيح أن الثورات التي قادها الشباب في تونس ومصر وليبيا قد عطلت الحياة الكروية وحرمت الشعوب من مباريات وأهداف جميلة إلا أنها رسمت خطة دقيقة أنقذت مرمى الشباب وقادتهم لتحقيق أهداف مستقبلية أسمى، وخير دليل ما حققه المنتخب التونسي في أم درمان قبل أيام بحصوله على لقب القارة السمراء للاعبين المحليين في وقت تمر فيه بلاده بثورة لم تنته فصولها بعد.
أما في ليبيا فقد تنعكس الثورة إيجاباً على منتخب "عقارب الصحراء" الذي فشل في تحقيق أي إنجاز يذكر منذ عام 1982 حين بلغ المباراة النهائية لبطولة الأمم الأفريقية على أرضه والتي خسرها بركلات الجزاء أمام غانا، فلا شيء يخشاه الليبيون على رياضتهم المتهالكة وكرتهم المتدحرجة في الظلام بسبب الفساد ونزيف الأموال في وقت تعتبر الجماهيرية بلد المليارات وأحد الدول الغنية بالذهب الأسود!.
حرب اللافتات
وفي وقت تعد العبارات واللافتات السياسية مصدراً إيجابياً لدى اللاعبين يستخدمونها سلاحاً للدفاع عن المضطهدين والرازخين تحت خط الفقر والمعدومين والطامحين بالحريات وفك القيود، تستخدم جماهير السلاح نفسه للهجوم على الضيوف المسالمين في مشاهد تثير الدهشة، وعلى سبيل المثال ما تفعله جماهير إيرانية لدى استقبال الأندية الآسيوية وخصوصاً الخليجية على ملاعبها في البطولات القارية.
المشجعون الإيرانيون يرفعون داخل ملاعبهم لافتات معادية وعبارات عنصرية بعضها مكتوب باللغة الفارسية "الخليج الفارسي" وغيرها الكثير الأمر الذي دفع الاتحاد الآسيوي لكرة القدم إلى تحذير نظيره الإيراني من اتخاذ عقوبات بحقه تجاه ما وصفه بـ"التمادي في نشر اللافتات السياسية".
وكان حكم مباراة ذوب آهن أصفهان الإيراني والاتحاد السعودي قد أوقف مباراة الفريقين في النسخة الماضية من دوري أبطال آسيا بعد دقائق معدودة من انطلاقها، بسبب هذه الشعارات التي غطت جنبات الملعب!.
وجهان لعملة واحدة
وهنا نتسائل.. هل يجب فصل السياسة عن الرياضة أم أنهما وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن الالتفاف عليهما بالروح التنافسية الشريفة؟ وماذا عن مشروعية اللافتات والتصريحات السياسية التي يصدرها اللاعبون؟ هل تستحق عقوبات أكثر صرامة من الاتحاد الدولي "فيفا" إن كانت صاحبت حق خصوصاً حال ردها على جرائم يجمع العالم ومؤسساته المدنية أنها ضد الانسانية؟.[right]