هل تحمل هم الآخرة؟
قال تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )
قال البغوي: اللـهو هو: الاستمتاع بلذات الدنيا، واللعب: العبث، سميت بهما لأنها فانية. (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان )أي: الحياة الدائمة الباقية، و"الحيوان": بمعنى الحياة، أي: فيها الحياة الدائمة، (لو كانوا يعلمون ) فناء الدنيا وبقاء الآخرة
أقسام الهموم: لا يخلو الإنسان من الهموم: والهم همان: هم الدنيا، وهم الآخرة. فمن سلم من أحدهما لم يسلم من الآخر، والغافل من كانت همه الدنيا، أما العاقل فهو من كانت همه الآخرة، فالإنسان بين هذين الهمين ولا ثالث
آثـار هم الدنيا والآخرة: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: من كان همه الآخرة ، جمع الله شمله ، و جعل غناه في قلبه ، و أتته الدنيا و هي راغمة ، و من كانت نيته الدنيا ، فرق الله عليه ضيعته ، و جعل فقره بين عينيه ، و لم يأته من الدنيا إلا ما كتب له.رواه أحمد
ثمرة هم الآخرة: فعن همّ الآخرة يتولد ويتفرع هم الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح الناس، إذ من شغلته آخرته بالرغبة في الجنة والرهبة من النار، وتعلم من دينه محبة الخير
قال صلى الله عليه وسلم: ( ما رأيت مثل الجنة نام طالبها، وما رأيت مثل النار نام هاربها ) رواه الترمذي
حال السلف مع الدنيا: كان السلف رضي الله عنهم يملكون أشياء من الدنيا ويبيعون ويشترون ولكن الدنيا بين أيدهم والآخرة في قلوبهم، وهذا على خلاف كثير منا اليوم الذين ملئوا قلوبهم بأعراض هذه الحياة ومشاكلها وشهواتها وأطماعها فأصبح هم الآخرة في قلوبهم ضعيفاً وأثر العبادات على سلوكهم ضعيفاً وأصبحت محبة الله في القلوب ضعيفة وجعلوا لله فضول الأوقات والاهتمامات والأموال
متى يخرج هم الآخرة من قلبك:
قال الإمام مالك: بقدر ما تحزن للدنيا كذلك يخرج هم الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة كذلك يخرج هم الدنيا من قلبك
فإن القلب إذا امتلأ من الدنيا والاهتمام بها، وضعف فيه هم الآخرة والاستعداد لها، لم يكن فيه محل لتدبر كلام الله عز وجل. فالتعلق بالآخرة وعدم الانشغال بالدنيا هو رأس كل خير
قال ابن القيم:اعلم أن القلب إذا خلى من الاهتمام بالدنيا والتعلق بما فيها من مال أو رياسة أو صورة، وتعلقَ بالآخرة والاهتمام بها من تحصيل العُدَّة
والتأهب للقدوم على الله عز وجل:فذلك أول فتوحه، وتباشير فجره. فعند ذلك يتحرك قلبه لمعرفة ما يرضى به ربه منه، فيفعله ويتقرب به إليه، وما يسخطه منه فيجتنبه. وهذا عنوان صدق إرادته
صور من هموم الآخرة عند السلف:
قال سفيان الثوري: كنت أرمق سفيان في الليلة بعد الليلة ، ينهض مرعوباً ينادي : النار النار ، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات
مر ابن مسعودعلى نافخ كير فوقع من خوفه في هذه النار، وكان يمر على الحدادين فيبصر الحديدة وقد أحميت فيبكي رضي الله عنه من تذكر الآخرة، وهكذا كان الصحابة والسلف على مثل هذا الأمر
يغتنم كل دقيقة في حياته:قال بعض الزهاد : ما علمت أن أَحَدا سمَعَ بالْجَنَّة والنار تأتي عَلَيْهِ ساعة لا يطيع الله فيها بذكر أو صلاة أو قراءة أو إحسان . فَقَالَ لَهُ رجل إني أكثر البُكَاء فَقَالَ : إنك إن تضحك وأَنْتَ مقر بخطيئتك خَيْر من أن تبكي وأَنْتَ مدل بعملك ، وأن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه
فَقَالَ : أوصني فَقَالَ : دع الدُّنْيَا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها ، وكن فِي الدُّنْيَا كالنحلة ، إن أكلت أكلت طيباً ،وإن أطعمت أطعمت طيباً ، وإن سقطت عَلَى شَيْء لم تكسره ولم تخدشه
هـم لـقـاء الله تعالـى:
اجعلِ الهم هما واحداهم الآخرةِ،وهو هم لقاء الله عز وجل،و هم الوقوفِ بين يديه
أن يتذكر العبد أنه إلى الله صائر، أن يتذكر أن لكل بدايةٍ نهاية، وأنه ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، فإذا تذكر الإنسان أن الحياة زائلة، وأن المتاع فانٍ وأنها غرورٌ حائل، دعاه والله ذلك إلى أن يحتقر الدنيا ويقبل على ربها إقبال المنيب الصادق وعندها يرق قلبه، ومن نظر إلى القبور، ونظر إلى أحوال أهلها انكسر قلبه، وكان قلبه أبرأ ما يكون من القسوة ومن الغرور والعياذ بالله
هل يشغل قلبك هم الدار الآخرة أم أنك نسيت؟حتى صرت من الذين يصلون ولم يصلوا، ينقرها ولا يدري ماذا صلى، وبم قرأ الإمام، ولم يتذكر يوماً خشع فيه من قراءة القرآن
صفات من يحمل هم الآخرة:
1 إصلاح النفس: هذه مهمتهم في الدنيا العبادة لله وحده لا شريك له هم يعلمون أن الله يرحم ويغفر ويعفوا إلا أنهم لم يتكلوا على ذلك بل يندموا على كل تفريط وتقصير وذنب يقترفونه في جنب الله مهما صغر لأنهم علموا أن الذي يُعصى هو الله العظيم الجليل جل في علاه وتراهم يحزنون لمصاب المسلمين وما يقع عليهم من ظلم وجور وما يصيبهم من بلاءإنها نفوس ملئت رحمة ورأفة بسبب حملهم هم الآخرة الذي غلب على قلوبهم
2 المحاسبة الدائمة للنفس: فترى صاحب الهم الأخروي دائماً محاسباً لنفسه على كل قول أو فعل
قال الحسن البصري في تفسير قوله تعالى: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) هي والله نفس المؤمن، ما يرى المؤمن إلا يلوم نفسه ما أردت بكلامي ؟ ما أردت بحديث نفسي ؟ والفاجر لا يحاسب نفسه
وهذا الحزن وتلك المراقبة، لم تكن قيداً يكبلهم في زوايا المساجد أو البيوت يبكون على أنفسهم ويتركون أهل الباطل والضلال دون إصلاح وإنكار لأنفسهم ولمن حولهم كلا بل الحزن الذي في قلوبهم هو المحرك لهذا العمل فيصلحون أنفسهم ويصلحون غيرهم ويصبرون على البلاء والأذى الذي يلاقونه
3 تأثرهم بمشاهد الموتى وحالاتهم:فهم بسبب حياة قلوبهم يربطون كل أمر في الدنيا بالآخرة فالموت يذكرهم بدنو الأجل مما يجعلهم يدأبون في العمل للآخرة حتى يقدموا لأنفسهم عملاً صالحاً يرفعهم إلى أعلى الدرجات في الجنات