مبالغ خيالية ورشاوى وصفقات مشبوهة
سقوط مبارك يفتح ملفات الفساد في مصر
فتحت
ثورة 25 يناير في مصر ملفات الفساد لبعض رجال الأعمال، خصوصاً من الوزراء
والمسؤولين السابقين، ما أدى إلى ظهور شائعات هرب رجال الأعمال من مصر خشية
محاكمتهم، لا سيما بعد صدور قرار النائب العام بالتحقيق مع أحمد عز، أمين
التنظيم السابق في الحزب الوطني، وزهير جرانة وزير السياحة، وأحمد المغربي
وزير الإسكان، ورشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة.
كما
قرر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود منع أحمد نظيف رئيس الوزراء
المصري السابق وأنس الفقي وزير الإعلام وحبيب العادلي وزير الداخلية من
السفر وتجميد أرصدتهم المصرفية.
وكانت
التحقيقات قد بدأت بالفعل مع وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، فيما
تبدأ التحقيقات مع وزير الإسكان السابق أحمد المغربي وزهير جرانة وزير
السياحة السابق بشكل رسمي الاثنين 14 فبراير بناء على قرار النائب العام
المحدد مسبقاً بعد أن اطلع الدفاع الخاص بالوزيرين السابقين على البلاغات
المقدمة ضدهما والتي تتهمهما بالتربح والفساد والاستيلاء على المال العام.
ثروات مليارية
وأفادت
تقارير صحفية أن عدداً من الشخصيات العامة والسياسية المصرية تقدمت ببلاغ
للنائب العام يطلبون فيه التحقيق في ثروة الرئيس السابق حسني مبارك وعائلته
والتي قالوا إنها جاءت عن طريق استغلال السلطات والتربح، والتي قدرت بـ 70
مليار دولار.
جاء
ذلك في وقت كشفت مصادر قضائية أن معلومات أولية لجهات التحقيق ذكرت أن
ثروة أمين التنظيم السابق في الحزب الوطني أحمد عز تبلغ 18 مليار جنيه (نحو
ثلاثة مليارات دولار)، وهناك من يرفعها إلى 40 مليار جنيه.
وبلغت
حسابات وزير الإسكان السابق أحمد المغربي، وفق هذه المعلومات التي نشرتها
صحيفة المصري اليوم المستقلة، 10 مليارات جنيه (حوالي 1.8 مليار دولار)،
ووزير السياحة السابق زهير جرانة 13 مليار جنيه.
أما
وزير التجارة السابق رشيد محمد رشيد فتقدر ثروته بـ12 مليار جنيه، بينما
تقدر ثروة وزير الداخلية السابق حبيب العادلي بثمانية مليارات جنيه (حوالي
1.8 مليار دولار).
تجميد الأرصدة داخلياً وخارجياً
كما أرسل النائب العام طلباً
لوزير الخارجية ليطلب من جميع الدول الأوربية تجميد أرصدة أحمد عز وأحمد
المغربي ورشيد محمد رشيد وزهير جرانة وحبيب العادلي لحين اتخاذ الإجراءات
القانونية اللازمة لاسترداد هذه الأموال.
كما قامت النيابة بإرسال البلاغات الجديدة التي تم تقديمها في جميع المسؤولين لجهاز الكسب غير المشروع لبدء التحقيق الفوري فيها.
وتردد
أن أحمد عز رجل الأعمال القيادي البارز في الحزب الوطني قام بتحويل 500
مليون دولار من البنك الأهلي بعد جمعة الغضب 28 يناير الماضي، وقال مصدر
مسؤول إن عملية التحويل تمت بموافقة البنك المركزي المصري وبتعليمات عليا
ويعد هذا التحويل أكبر تحويل لرجل أعمال.
ومنذ
تولي حكومة د. أحمد نظيف المقالة الأمور في عام 2004، برز دور رجال
الأعمال في السلطة بشكل أكبر من خلال إسناد المناصب الوزارية إليهم، رغم
تعارض المصالح مع أنشطتهم الاقتصادية الخاصة التي كانوا يمارسونها قبل تولي
الوزارة، ورأى برلمانيون ومسؤولون محللون أن الفساد بمصر بات متفشياً
ومنظماً.
نظيف والخرافي
وكان
سمير صبري المحامي قد تقدم ببلاغ جديد للنائب العام ضد أحمد نظيف رئيس
الوزراء السابق وأمين أباظة وزير الزراعة السابق ورجل الأعمال الكويتي ناصر
الخرافي يتهمهم فيه بالفساد وإهدار المال العام والتربح واستغلال السلطات
والنفوذ.
وأوضح
صبري في بلاغه أن المتهمين الثلاثة أصدروا قرارات خلال أزمة البنزين
والسولار لصالح الشركة المصرية الكويتية بالإضافة إلى تحويل 40 ألف فدان
حصلت عليها شركة الخرافي من أراضي الدولة لتحويلها إلى مجتمع عمراني بسعر 5
قروش للمتر بالمخالفة للقانون، رغم أن الأرض تم تخصيصها للاستثمار الزراعي
مما يعد مخالفة جسيمة للقانون، الأمر الذي أدى إلى حصول شركة الخرافي على
52 مليار جنيه فارق أسعار بين السعر الذي اشترت به وسعرها الحقيقي، رغم أن
الأرض نفسها أثرية، وطالب صبري بالتحفظ على الأرض لحين انتهاء التحقيقات
وتقديم المتهمين الثلاثة لمحاكمة عاجلة.
يأتي
هذا فيما تواصل لجنة الحريات بنقابة المحامين تلقي بلاغات المواطنين
الخاصة بالفساد والمعتقلين، وقد تقدم الصحفي مصطفى بكرى ببلاغ للنائب العام
ضد أنس الفقي وزير الإعلام السابق واتهمه فيه بارتكاب مخالفة جسيمة فى
وزارة الإعلام، وقال بكري إن أنس الفقي أهدر 12 مليار جنيه من وزارة
الإعلام على مشروعات منها مسلسلات غير مجدية على سبيل المجاملة لصناعها،
وكذلك توزيع مكافآت ضخمة على عدد من كبار المسؤولين بوزارة الإعلام
بالإضافة لتضخم ثروته للحد الذى وصلت فيه لمليار جنيه.
استقبال البلاغات
في
موازاة ذلك، قال مصدر قضائي إن النيابة العامة تلقت عدداً من البلاغات ضد
بعض المسؤولين الحاليين والسابقين، وإن النظر في هذه البلاغات استلزم إصدار
قرارات بالمنع من السفر خارج البلاد، وأضاف المصدر إن بعض البلاغات التي
وردت للنيابة العامة قد تم إرسالها لإدارة الكسب غير المشروع بوزارة العدل
لفحصها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة فيما تضمنته هذه البلاغات من
وقائع، تتضمن تضخماً في ثروات المبلغ ضدهم بطرق غير مشروعة.
وأكد
أن النيابة العامة تواصل التحقيقات فيما تتلقاه من بلاغات وتتابع ما
يستلزم تدعيم كل بلاغ منها بالمستندات الكافية ومواصلة تكليف الأجهزة
الرقابية لفحصها والتحري عن مدى صحتها، وأنه في حالة توافر الأدلة على قيام
أي جرائم فإن النيابة العامة تسرع باتخاذ الإجراءات المنصوص عليها بقانون
الإجراءات الجنائية وتحرص على أن يتم عملها تحت ظل من الشرعية القانونية.
من
جهته أصدر المهندس حسن صقر رئيس المجلس القومى للرياضة قراراً بفتح جميع
ملفات الفساد فى الاتحادات والأندية الرياضية، وتؤكد المصادر أن الاتحاد
المصرى لكرة القدم سيكون فى مقدمة الاتحادات الرياضية التى سيتم التحقيق فى
مخالفاتها المالية التى سبق رصدها فى الفترة الماضية، وكلف صقر معاونيه
بضرورة البحث فى جميع المخالفات الخاصة بالأندية أيضا وكشفها أمام الرأى
العام.
ممارسة مجتمعية
بدوره
اعتبر الخبير الاقتصادي والمتخصص بقضايا الفساد عبد الخالق فاروق أن
الحالة المصرية تكاد تكون نموذجية في دراسة كيفية تحول الفساد في مجتمع ما
من حالات انحرافات فردية معزولة إلى ممارسة مجتمعية شاملة بالمعنى الحقيقي
لا المجازي للكلمة.
وهناك
خسائر بشرية ومالية ضخمة نجمت عن الفساد الإداري والمالي لا ينساها
المصريون ارتبطت برجال الأعمال وأعضاء بارزين بالحزب الوطني الحاكم مثل غرق
العبارة المملوكة لرجل الأعمال الشهير ممدوح إسماعيل (عضو مجلس الشورى)
وأدت لمصرع أكثر من ألف شخص، وعقْد أرض "مدينتي" التي اشتراها هشام طلعت
مصطفى وأدت إلى خسائر بعشرات المليارات من الجنيهات.
كما
كشف فتح ملف أراضي الدولة، النقاب عن حصول العديد من رجال الأعمال الأعضاء
في البرلمان ووزراء على آلاف الأفدنة من خلال قرارات تخصيص بأسعار قليلة
تقل كثيراً عن السعر الأصلي مما مثل إهداراً للمال العام، وأشارت مصادر إلى
أن مصر تحولت خلال السنوات العشر الأخيرة من فساد في الإدارة إلى إدارة
الفساد.
اغتصاب وطن
ورأى
الشاعر والكاتب بصحيفة الأهرام فاروق جويدة أنه حدثت جريمة كبرى بمصر في
السنوات الأخيرة بسبب التوزيع العشوائي للأراضي بعد أن تم توزيع ملايين
الأفدنة على مجموعة من الأشخاص دون سند قانوني أو دستوري أو إنساني.
وأضاف
جويدة في مقدمة كتاب صدر مؤخراً بعنوان "اغتصاب وطن.. جريمة نهب الأراضي
في مصر" أن الأراضي المصرية بدأت تسقط فريسة عمليات تخصيص غريبة كان من
أخطرها ضياع ثروة مصر من الأراضي. واعتبر جويدة في هذا "الكتاب الوثيقة" أن
هذه الجريمة البشعة لا تسقط بالتقادم لأنها جاءت في مرحلة اختلت فيها
منظومة العدالة وجعلت مجموعة من الأشخاص ينهبون ثروة شعب.
وعن
حجم هذا الفساد قال البرلماني المستقل السابق والأستاذ بجامعة حلوان
الدكتور جمال زهران إنه بات مركباً ومنظماً من رأس السلطة وعائلته وأصهاره
مروراً بطبقة من رجال الأعمال القريبين، مشيراً إلى أن حجم إهدار المال في
مجال بيع أراضي الدولة فقط بلغ نحو تريليون جنيه (الدولار يساوي 5.9
جنيهات) في حين تبلغ مئات المليارات في البيع البخس للقطاع العام.
البيع البخس
وفي
إطار الخصخصة التي تعرضت لانتقادات شديدة بشأن البيع البخس لشركات القطاع
العام، دلل زهران على ذلك بصفقتين على سبيل المثال هما: بيع "عمر أفندي"
التي كانت قيمتها السوقية 5 مليارات جنيه وبيعت بـ 650 مليون جنيه أي أقل
من 15% من ثمنه.
وأشار
أيضاً إلى صفقة شركة إيديال عام 1993 التي بيعت بـ 325 مليون جنيه في حين
تبلغ قيمتها السوقية 5 مليارات جنيه، مضيفاً أن هناك العديد من الصفقات على
هذه الشاكلة مثل المراجل البخارية والحديد والصلب.
وعما
تردد من تقارير صحفية عن ثروة آل مبارك، أكد زهران صحة هذه التقارير، وأن
ثروة العائلة جاءت من عدة مصادر أبرزها السمسرة على الأسلحة وشراء أي شيء
والشركات التي تنشأ طبقاً لقانون الاستثمار بحيث تلزم المستثمر الأجنبي
بإيجاد شريك مصري، ويجري وضع شركاء وهميين على أن يقبض أصحاب المصلحة على
ذلك.
70 ألف قضية فساد سنوياً
وكانت مصر قد حصلت على (3,1) من 7 درجات لقياس مكافحة الفساد على مؤشر التنافسية لعام 2010 ويوضح مقياس الحكم الجيد للبنك الدولي أن قدرة مصر على السيطرة على الفساد تتراوح بين 30% و48%.
كما
أن التقرير الثالث للجنة الشفافية والنزاهة (التابعة لوزارة الدولة
للتنمية الإدارية) الصادر عام 2010 يوضح أن قضايا الفساد على صعيد الجهاز
الإداري للدولة، تبلغ 70 ألف قضية سنوياً، يحفظ منها 40 ألف قضية، ويُحكم
في أقل من ألفي قضية.
وقد
أرجع التقرير هذه الزيادة في قضايا فساد الجهاز الإداري للدولة إلى شيوع
الإهمال وانتشار الرشوة وغياب المحاسبة وتضارب الاختصاصات.
خسائر الفساد
وكانت
منظمة النزاهة المالية الدولية، قد كشفت في تقرير سابق لها أن إجمالى
خسائر مصر من الفساد "التدفقات المالية غير المشروعة" بكل أشكاله يبلغ
6,357 مليار دولار سنوياً، بما يعادل 37,82 مليار جنيه، وذكر التقرير
الصادر عن المنظمة بعنوان "الجريمة المالية العابرة للحدود فى الدول
النامية" أن الفساد المالى والجريمة اتخذ 12 شكلاً منها "المالى والسياسى
والاقتصادى والإداري" على رأسها تجارة المخدرات 320 مليار دولار، والتزييف
والتزوير 250 مليار دولار، والاتجار فى البشر 31,6 مليار دولار سنوياً.
وسبق
أن ذكرت تقارير رقابية مصرية أن تفاقم ظاهرة الفساد تسبب في إلحاق خسائر
بالاقتصاد الوطني تصل إلى 50 مليار جنيه سنوياً، وعن تورط مسؤولين كبار في
الجهاز الحكومي والمحليات والهيئات الاقتصادية والقطاع العام والبنوك في
هذه القضايا.
وأدى
تفشي الفساد في مفاصل الجهاز الإداري إلى شعور أعداد متزايدة من الشعب
المصري من عدم جدوى إصلاح هذا الوضع إلا بإعادة بناء هذا النظام من البداية
على أسس من العدالة في توزيع الثروات وهو ما صدر عن الكثيرين عقب الثورة
الشعبية المصرية سواء على مستوى الثوار أنفسهم أو من دعمهم من نخبة المجتمع
المصري.
محرك الثورة
وما
يعزز ذلك هو أن شعار "نريد عدالة اجتماعية" كان يتردد على لسان المحتجين
أول أيام الثورة يوم 25 يناير الماضي، وتطورت المطالب وتصاعدت حتى وصلت إلى
الإصرار على رحيل النظام بأكمله بعد أن اعتبر الثوار رد النظام على
مطالبهم غير كاف، بل ملتو ويستهدف احتواءهم حتى تفريقهم.
واعتبرت
الناشطة الشابة نوارة نجم أن تفشي الفساد كان أحد المحركات الأساسية لشباب
الثورة الذين شعروا بأن البلد أصبح لغيرهم من رجال أعمال وأنصاف موهوبين
وجهلاء ممن اصطفاهم النظام على حساب الأكفاء الذين انتحر بعضهم أو هربوا من
البلد جراء ذلك.
ملاحقة مبارك
على
صعيد متصل ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية السبت 12 فبراير أن الرئيس
المصري "السابق" حسني مبارك كان قد اختار الإقامة في شرم الشيخ حتى يظل
داخل مصر، إلا أن ملاحقته بالاتهامات بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان الذي
وقع في عهده ربما تجعله يعيد النظر في اختياره للمكان الذي سوف يقضي به
بقية عمره.
وأضافت
الصحيفة أن هناك رؤية عن ذهاب مبارك إلى دبي خاصة بعد المناقشات التي دارت
بين كل من دولة الإمارات والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية، كما أن
أحد أهم القضايا التي تناولها النقاش هي الحصانة التي تمنع أي محاكمة يمكن
أن يتعرض لها مبارك لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، خاصة بعد مقتل ما يقرب من
300 شخص في الأحداث الأخيرة بمصر، فضلاً عن الانتهاكات التي قام بها رجال
الأمن.