سبحان الله
لم تغب عن ذهني للحظة تلك القصة الواقعية التي سردها أمامي صديق لبناني، التقيته في العاصمة الأردنية عمان في إطار زياراتي ولقاءاتي الصحفية قبل بضعة أعوام، وقال صديقي، ان القصة اشتهرت في لبنان وان بعض الصحف تناقلتها وحتى ان بعض الكتب قد دونتها باعتبارها واقعة غريبة ولكنها واقعية لا لُبس ولا مبالغة فيها، وتدور تفاصيل القصة التي رواها والد المرحومة سامية في جيلها الثاني وأخوها في جيلها الماضي.
"هيدي سيارة خيي سامي..
مش سيارة البابا"
كانت العائلة تسكن في بيروت، الوالدان والأولاد الذين من بينهم كانت "سامية" الذين نحن في صدد الحديث عنها، ويقول أبوها حاليا، وأخوها سابقاً. "أثناء وجود العائلة في بيروت كانت " سامية" قد تعلمت الخياطة في مطلع صباها، وقد خاطت لنفسها، بنفسها معطفاً (كبوت) كان باكورة عملها. وعندما كانت في يوم ما تكوي الثياب أصيبت بنوبة قلبية حادة توفيت على أثرها وهي في ريعان صباها إذ كان عمرها آنذاك (18 عاماً).
كان أخوها سامي قد تزوج وسكن في بلدته كفرفاقود التي تبعد عشرات الكيلومترات عن بيروت، وقد رزق سامي بابنة سماها "سامية" على اسم شقيقته المتوفاة "سامية"، في تلك الأثناء كان سامي موظفاً في التدريب العسكري لطلاب المدارس الثانوية، وكان من عادته ان يترك مركز عمله في مخيم ظهر البيدر كل يوم سبت ويذهب لزيارة عائلته ثم يعود مساء الأحد، وكان لديه سيارة من نوع "فولكسفاجن" وقد اعتاد عند وصوله إلى المفرق المؤدي إلى بيته ان يضغط على "الزمور" كدلاله على قدومه.
في أحد الأيام وكعادته، سمعت زوجة عمه صوت "الزمور" وكانت واقفة على شرفة المنزل وهي تحمل بين يديها ابنته الطفلة "سامية" ، حيث قالت لها " أجا البابا يا سامية.. هيدي سيارتو شايفتيها؟". نظرت "سامية" الطفلة الصغيرة فرأت السيارة وقالت "هيدي سيارة خيي سامي، مش سيارة البابا"! كان عمر سامية آنذاك عامين ونصف وأردفت تقول "هالبيت مش بيتي أنا بيتي بعيد .. بعيد!!"
تعجبت المرأة من كلامها وعندما دخل سامي إلى البيت أخبرته بما قالت لها "سامية" وكان قد ضمها سامي إلى صدره يقبلها ثم سألها: " ماذا قلت يا شاطرة" قالت سامية الطفلة: " أنا كنت كبيرة، كبيرة وأنت مش بابا، أنت خيي سامي وبيتنا بعيد... بعيد، نسيت لما كنت عم بكوي الثياب، وقعت عالأرض ومتّ، وما بعرف كيف جيت لهون..." وأنا عندي "كبوت جديد" بس روح عابيتي بدي جيبو من عند الماما".
سامي وجد في مولودته الصغيرة
شقيقته التي فارقت الحياة
هذه الأمور على غرابتها لم تدهش سامي (والدها) الذي لم تكن خافية عليه، فهو كان على إطلاع تام بها وبمجرياتها، لكنه لم يكن يعلم ان أخته "سامية" في جيلها الماضي قد عادت إلى بيته في جيلها الحاضر.
وحينها لم يعد لديه شك في تقمص أخته "سامية" في جسد ابنته "سامية" أيضا، فقال لها مستدرجاً ومستفسراً " أي كبوت تقولين عنه؟ وأي خزانة؟" فأجابته "أنا تعلمت الخياطة لما كنت في بيتي البعيد وخّيطت كبوت وعلقته بخزانة الماما"، ويقول والدها – حسب الرواية - انه بالفعل عندما ذهب إلى بيروت لزيارة أهله هناك، وكانت ابنته سامية معه حكى لأمه ما قالته ابنته الصغيرة فضمتها إلى صدرها وأفرغت من نفسها كل ما تملك من عاطفة وحنان، وأخذت تقبلها، ولم تتمالك نفسها فتساقطت الدموع على خدّيها.. ولا يدري أحد، أهي دموع الحزن على فقدان ابنتها الصبية، ام هي دموع الفرح بأن ترى فقيدتها قد عادت إلى الحياة، وفي بيت أخيها الذي هو والدها الحالي!! وهل هذا الأمر بمستغرب من أم فقدت ابنتها لتراها طفلة صغيرة من جديد، وأين... في بيت ابنها؟! وهل لعاطفة الأم وحنانها من حدود لا سيما في مثل هذه الحالة؟
بعدما هدأ روع الأم السابقة، تقدمت حفيدتها "سامية" (التي كانت بالأمس ابنتها) نحو الخزانة فتحتها ونظرت فرأت "الكبوت" الذي تحدثت عنه، ولا تسَل عن فرحتها عند رؤيته ، فأمسكته بيديها وأخرجته من الخزانة فرحة جذلى، ثم سألتها جدتها - أمها: هل لديك شيء آخر عندنا ؟ قالت " سامية" عندي سكربينه بيضاء (حذاء مع أحزمة) هي ليست في الخزانة"!! وكانت الأم قد جمعت ثياب ابنتها بعد موتها ووضعتها على سطح الخزانة ضمن "شنطة" فأنزلتها وفتحتها، فوجدت فيها سامية السكربيه البيضاء التي قالت إنها لها!!
والله اعلم