الكذب يتناسل كالضفادع!
عندما يتعود اللسان على الكذب يفلت من يد صاحبه ويصبح من الصعب بل من المستحيل استرداده والتحكم به. وهذا ما يفسر أن بعض الناس يكذبون – بالرغم من طيبتهم – لأن الكذب أصبح عادة مستحكمة في طبعهم. وهناك من يكذبون لا كرهاً للصدق بل محبة بالكذب!
الكذاب ينسى ذاكرته، ومن يعتبر ذاكرته غير دقيقة ينبغي ألا يمتهن الكذب.
الكذب ينمو في كل تربة ويثمر في كل مناخ، وهو رذيلة ممقوتة وملعونة. ما من رباط قوي يربطنا ببعضنا البعض ككلامنا. ولو عرفنا تداعيات الكذب وعواقبه الوخيمة لحاربناه بالسيف والنار أكثر من أية جريمة أخرى.
يجب عدم تعقب الكذب في محاولة للإمساك به بل ينبغي تركه وشأنه، وعاجلاً أم آجلا سيصل إلى طريق مسدود فتنفد قواه ويفقد ما بجعبته من سموم وأضاليل. وليكن معلوماً أن الكذبة البيضاء هي مقدمة لكذبة سوداء.
المبالغة لا تختلف كثيراً عن الكذب، وأسوأ الكذب هو قول نصف الحقيقة، وهذا ما يلجأ إليه المغرضون ذوو النوايا السيئة والضمائر الزائغة الذين يعرفون النصف الآخر للحقيقة فيتكتمون عليه ما دام ذلك التكتم يخدم مصالحهم الخسيسة حتى ولو أدى إلى إلحاق الأذى الأدبي والمعنوي والمادي بسواهم.
الكذب علامة الجبناء المميزة فهم يكذبون على أنفسهم وعلى الناس وعلى رب الناس. وكل شجاع وشريف يأنف من الكذب ويتحاشاه أكثر مما يخشى ويتفادى الموت الأحمر.
الكذب من أقبح الرذائل. لأن الكذاب يستخف بالله ويخاف الإنسان. وكل كذبة سواء كانت صغيرة أم كبيرة تضع الإنسان على شفير هاوية سحيقة لا يعلم عمقها ومخاطرها إلا الله.
ما من عمل مشين يملأ الشخص بالخزي والعار كاكتشاف الناس لأكاذيبه. وفي هذا الصدد يقول أحد المفكرين: الكذاب يتجرأ على الله ويجبن أمام الناس ولكنه هو الخاسئ والخاسر في الحالتين.
الكذب يشبه محاولة التخفي في الضباب الكثيف. وإن حاول الكذاب التنقل هنا وهناك يعرّض رأسه للارتطام بالحقيقة الصلبة. وعلى أية حال ما أن يتلاشى الضباب حتى يختفي الكذاب.
محترفو الكذب يبتدعون خرطات طويلة عريضة ليس بالضرورة لإحراز مكاسب معينة أو لمخادعة المتحدثين إليهم، بل لأنهم تعودوا على الكذب فاستسهلوه ولأن قول الصدق بالنسبة لهم أصبح أمراً صعباً يلزمه مجهود ليسوا مستعدين لبذله.
إن نصف رذائل الدنيا منبعها الجبانة. والذي يخشى التلفظ بالكذب لا يخيفه شيء في الحياة.
الحقيقة في تطابق وتناغم دائم مع ذاتها، ولا تحتاج لمن يعضدها فهي فطرية غير مصطنعة، وهي قوة لا تـُقهر مثلما هي قريبة منا طوال الوقت وعلى أتم الاستعداد لتحريك شفاهنا فلا نتلفظ إلا بها. أما الكذب (الذي يعتبره البعض ملح الرجال) فهو صناعة مفبركة رديئة النوعية وموضوعة على الرفوف بانتظار الإعلان والتزويق والتسويق. إن كذبة واحدة يلزمها كذبات كثيرة للتستر عليها. وهي تشبه البناء المشيد على أساس مقلقل، الذي يحتاج دوما إلى دعامات ومساند خوفاً عليه من التهاوي والسقوط. وبالتالي تكون تكاليف صيانته وإسناده أكبر بكثير مما لو تم تشييده أصلا على أساس صحيح وسليم.
الكذبة المتعمدة هي اللة اكبرحة لا تقوى على النهوض والوقوف بمفردها بل تحتاج إلى كذبات أخرى كي تتوكأ عليها. ولذلك من السهل أن يكذب الإنسان إنما من الصعب أن يكذب كذبة واحدة فقط لا غير.
عندما تتغلغل كذبة بين الناس يصبح من الصعب استئصال شروشها وشرورها. فقد تخبطها على رأسها حتى تظن أنها على وشك أن تلفظ نفسها الأخير وإذا بها في اليوم التالي تبدو قوية ومتعافية أكثر مما كانت عليه من قبل!
لا يوجد في العالم أندر من كذبة منعزلة، لأن الكذب يتناسل كالضفادع. وما أن يتم إطلاق كذبة واحدة حتى تعود ووراءها شلة كبيرة من الكذب والحبل على الجرار.
الكذبة الكبيرة تشبه سمكة كبيرة على اليابسة، فقد تنتفض وتنط وتتحرك بسرعة في محاولة منها لترويع من حولها، لكن إن لزمتَ الهدوء فستكف السمكة المحتضرة تدريجيا عن الحركة وبالتالي ستصبح جثة هامدة.
قال أحد الحكماء لتلميذه: يا بني ليكن الكذب غريبا على شفتيك ولا تسمح له أن يحجب شفافيتك. ولا تدع لسانك يرضى عن الصدق بديلا لأن الكذب يدنس اللسان ويخزي الإنسان. ولتعلم يا بني – زادك الله علما – أن الكذابين لا يتصارعون مع الحق والحقيقة وحسب، بل مع بعضهم البعض أيضا، وأن الغرامة المفروضة على الكذاب هي ابتداع المزيد من الكذب لتغطية كذبه المفضوح أصلا، فكن صادقاً مستقيماً في كل ما تقوله وتفعله.
والسلام عليكم