( صورة لعين آمور - غربي مدينة الخارجه )
النيل مصدر الحياة كما يعتقد المصريون، وهو اعتقاد دام أكثر من سبعة آلاف عام - ولا يزال - لذا كانت حياة المصريين مرتبطة بوجود النيل، لكن ماذا عن أسرار الحياة بعيداً عن ضفاف النيل وتحديداً فى منطقة واحة الخارجة فى الصحراء الغربية عاصمة محافظة الوادى الجديد والتى تبعد عن الأقصر حوالى 175 كيلومتراً.. هذا هو موضوع المشروع الأثرى الذى قامت به الجامعة الأمريكية فى القاهرة بالتعاون مع جامعة كامبريدج من خلال عمل مسح شامل للمنطقة الشمالية من الواحة، وجاء المشروع تحت عنوان «الحياة بعيداً عن النيل» وعمل مسح شامل لواحة الخارجة فى صحراء مصر الغربية.
تقول الدكتورة سليمة إكرام، أستاذ الآثار بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والمشرف العام على البرنامج: إن المرحلة الأولى من المشروع والتى استمرت لمدة خمس سنوات ركزت على الأجزاء الشمالية من طرق القوافل القديمة، وعلى المنشآت الرومانية فى المنطقة، والنظر إلى المناطق الأثرية التى تم العثور عليها فى المنطقة الغربية ، ثم بدأت المرحلة الثانية من البحث والتى ركزت على استكشاف طرق القوافل القديمة المؤدية غربا نحو الداخلة، وكان من المقرر أن تستمر ثلاث سنوات ثم البحث فى المنطقة الشمالية من الخارجة على المواقع الأثرية التى يعود تاريخها إلى فترة ما قبل التاريخ إلى القرن التاسع عشر الميلادى. وكانت مفاجأة غير متوقعة أن معظم ما بقى فى الخارجة هى حصون من الفترة الرومانية والتى مر عليها آلاف السنين وقد تم قياس الزوايا فى تلك المناطق مع التركيز بصفة خاصة على بعض البقايا الأثرية، وعلى هذا النحو أيضا تم عمل مسح لتحديد وتسجيل نظم الرى القديمة ومناطق الزراعة. وفحص بقايا السيراميك، والأجسام الصغيرة، ومن أجل أيضا فهم العلاقة بين المواقع المختلفة من خلال آلاف السنين، فضلا عن البيئة القديمة التى كانت توجد بتلك الواحة إلى جانب معرفة ثروتها الزراعية، فى العصور الغابرة ودراسة ايضا أهمية موقعها الاستراتيجى فى الصحراء الغربية. حيث كانت الخارجة مفترق طرق رئيسية تربط بين مصر والسودان وليبيا ووسط وغرب أفريقيا.
وأشارت الدكتورة سليمة إلى مملكة درب شرم التى كانت تمثل الطريق البديل للمسافرين والتجار الذين يرغبون أو أجبروا على تجنب وادى النيل. وكان هذا الطريق مهم أيضا لأسباب استراتيجية - عندما حاول الهكسوس تجاوز وادى النيل عن طريق الواحات وأصبحت مصر العليا عند الرومان جزءا من الحدود الجنوبية لامبراطوريتهم. وخلال القرن الثالث عندما تعرضت الامبراطورية لعدة هجمات مدمرة من البدو والبربر فى بداية القرن الرابع الميلادى، وفى عهد الامبراطور (دقلديانوس) بدأ برنامج تعزيز التحصينات على طول حدود الامبراطورية بأكملها. وبناء سلسلة من المنشآت العسكرية بنيت على مفترق الطرق بين الشمال والجنوب. وما تبقى من هذه التحصينات ليس بكثير ولكنه لا يقل أهمية حيث تم العثور على قصر هو نسخة مصغرة من (آيل غب القصر)، ويقع على أرض منخفضة حوالى 2 كم إلى الجنوب الشرقى من نظيره. ويبدو أنه كان موقعاً للمستوطنات الصناعية فضلا عن النشاط الزراعى، وربما كان محطة مهمة. أما جنوب القلعة فيكثر بها بقايا الفخار بكثافة كما يوجد أفران، وطحن مرابض وبقايا الصناعات الأخرى.
وتقول د. سليمة: إنه قد تم العثور على (عين آمور) وهى واحة صغيرة تقع فى منتصف الطريق من الخارجة وكانت محطة استراحة، ومصدر المياه الوحيد على طول (درب العين آمور)، التى ربطت الخارجة والداخلة وما تزال تستخدم مصدراً للمياه العذبة من قبل الناس والحيوانات وقد وجد بها بقايا أثرية تكونت من عهد الهيكل الحجرى المتأخر وتم العثور على بقايا سميكة مما يؤكد انه كان يوجد بتلك المنطقة نهر أو مصدر مياه و بها سور غير نظامية. وتقع بها مقبرة كبيرة فى الشرق لكنها تعرضت فى الماضى القريب والبعيد على حد سواء لأضرار شديدة.
وتضيف: إنه تم عمل مسح شامل لجميع المناطق المحيطة بواحة الخارجة وجميع الطرق فى تلك الواحة بهدف التأكيد على وجود حياة بواحة الخارجة أو بمعنى أكثر تعمق وجود حياة بعيداً عن ضفاف النيل.
وقد بدأ العمل عن طريق مسح أولى للمنطقة بما فى ذلك المواقع الرومانية فى الحدود الجنوبية، باستخدام جهاز قياس الزوايا ومسح جوى باستخدام طائرة ورقية. وتم جمع الفخار أيضا المنتشر فى الخارجة وإجراء فحص أولى للحصون، كما تم استكشاف المنطقة الواقعة إلى الجنوب حيث تم العثور على مجموعتين من المقابر.
وتقول د. سليمة: إن الفريق قام أيضا بعمل استكشاف لمصادر الحجر الرملى، ومنطقة صغيرة فى الجزء الشمالى للموقع قد حددت على أنها مصدر لبعض من الحجر الرملى المستخدمة. وتم فحص الهياكل الدينية بما يوجد من المعلومات المسجلة فى عملية التحنيط والمعدات والدفن وشملت القطع النقدية، وشظايا معدنية وشظايا من الكتان، وقطعاً من الزجاج، كما أوضح المسح اكتشاف بقايا الكنيسة (نون وارنر)، لم تكن معروفة سابقا وإلى الجنوب من معبد الضميمة تكمن مجموعة من القبور التى حفرت فى الصحراء كما وجدت صخرة نقش عليها فى وقت مبكر سجل الأسرات الحاكمة يعلوه نقش الصقر والحيوانات. وتقول إكرام إن تلك المنطقة ما تزال تحتاج إلى المزيد من العمل من أجل الكشف عن باقى أسرار تلك الواحة.