الحمد لله ربِّ العالمين ، ألف بين قلوب عباده المؤمنين ، فجعلهم إخوةً متحابين ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أمرنا أن نعتصم بحبل الله أجمعين ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين ، الذي آخى بين الأنصار والمهاجرين ، فصاروا إخوةً في الدين ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . أما بعد ،، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فإنَّها أمنةٌ من الفتن والبلايا، ومنعةٌ من الرزايا، وتكفيرٌ للذنوب والخطايا { يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ، وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ، وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } الأنفال: 29 .
معاشر المسلمين : كلنا ينشد الأمن والأمان ، والراحة والاستقرار والاطمئنان ، وهذا مطلبٌ نتمناه جميعاً ونتأمله ، أن يتحقق في بلادنا حفظها الله ورعاها، ولن يتحقق هذا المطلب ، إلا إذا تكاتف الليبيون جميعا ، ووقفوا صفا واحدا ، وجسداً واحداً ، ضد من يثير الفتن والاضطرابات ، ويروج للإشاعات ، التي تهدد أمننا وأمن بلادنا ، وإن الواجب يحتم علينا الآن ، أن تتضافر جهودُنا ، وتتحد قلوبُنا ، وتتكاتف سواعدُنا ، لحماية بلدنا ووطننا ، من هذه الحوادث والأخطار ، وذلك بأن نكون متعاونين على البر والتقوى ، متناهين عن الإثم والعدوان ، نابذين العداء والبغضاء ، حتى نُفَوِّتَ الفرصة على هؤلاء المتربصين بنا ، في زرع بذور التفرق ، وجذور التنازع والشقاق ، قال الله سبحانه تعالى { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ، وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } الأنفال46 . وفي صحيح مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا ، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ »
إخوة الإسلام : إن مجتمعنا ووطننا له علينا حقوق كثيرة ، فنحن نعيش فوق أرضه وتحت سماءه ، نرتوي من ماءه ، وننعم بخيراته ، فأمنه أمنُنَا وخيرُه خيرُنا ، فلنحرص على كل ذرة رمل من أرضه وترابه أن تمس بسوء ، فضلاً عن مرافقه العامة ، ومنشآته الهامة .
ولنحذر من ضعاف النفوس ، الذين يبثون الإشاعات المغرضة ، ويروجوا الأخبار الكاذبة ليوهنوا عزمنا ، ويفرقوا شملنا ، ويشقوا صفنا ، وليجعلونا نعيش في قلق دائم ، وفتن وحروب لا تنتهي ، فلنحذر من هؤلاء المرجفون ، الذين يعيشون بيننا ومن حولنا ، ولا يتمنون الخير لنا ولا لبلادنا ، لأنهم مفاتيح للشر ، وقد توعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالويل ، لأنهم فتحوا بابا للشر على أنفسهم وعلى غيرهم ، في سنن بن ماجة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم« إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ ».
ولنحذر من أولئك الذين يريدون أن يحققوا في هذه الظروف المضطربة ، التي تمر بها بلادنا ، مصالح شخصية ومنافع غير شرعية ، على حساب الوطن والدين ، ويعملوا على إثارة الفتن والخلافات ، وبث الفرقة فيما بيننا ، وتمزيق الصف الداخلي ، يثيرون النعرات القومية ، والخلافات المذهبية والعصبيات القبلية ،، وآخرون من المأجورين والمستهترين ، من ضعفاء النفوس ، ممن يُشْتَرَوْنَ بالمال ، فيقومون بتفجيرات هنا وهناك ، يُقتل فيها الأبرياء ، وتدمر فيها المباني والمنشئات ، ويهددون ويتوعدون ، ويبثون الرعب والخوف بين الناس ، ويتمنون أن تبقى البلاد دائما في فوضى ، وعدم أمانٍ واستقرار، ولن يفلحوا بإذن الله تعالى ، طالما تعلقت قلوبنا بالله واستعنا به سبحانه وتعالى ، وأخذنا حذرنا ، يقول الله تبارك وتعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ ، فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً }النساء71 فما أحوجنا اليوم إخوة الإيمان : إلى أن نكون متوكلين على الله حذرين متنبهين لهؤلاء ، متعاونين متيقظين مع رجال أمننا ، لأي محاولة مساس بوطننا الطيب الأمين ، والوقوف سدّاً منيعا في وجه كل من يحاول زعزعة أمننا واستقرارنا ، وفضحه وكشف مخططاته ، وردعه عن أفعاله الشريرة ،، نسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى ، أن يجنبنا وبلادنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطنَ ، وأن يحفظ علينا أمننا وإيماننا، وأَماننا واستقرارنا ، وأن يقيَنا الشرور كلّها ، وأن يُحمِدَنا العواقب ، وأن يرزقنا المألات الحميدة ، والنهايات الرشيدة ، وأن يهدي ضال المسلمين بمنه وكرمه ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .