بعد مضى أكثر من عام على ثورة مصر المعروفة بثورة 25 يناير ، والتى لم تحقق أهدافها الى الآن ، فلم نشيد الجمهورية الحديثة ، ولم تتحقق العدالة الاجتماعية ، ولا الكرامة الإنسانية ، ولا حتى دولة المؤسسات ، بل سقط كل ذلك ، وسقطت هيبة كل شىء ، فالثورة كانت بمثابة هدم لحائط قديم ، يختبىء تحته العقارب والحيات ، فما إن سقطت تلك الحائط حتى خرج علينا ما خبىء فى الجحور .
واليوم أدركت لماذا استمر حكم مبارك كل هذة الفترة رغم فسادة ؟ ولماذا لم تنجح الثورة حتى الآن رغم نبل أهدافها ؟
والاجابة بعد ما اقص عليكم تلك الواقعة التى عايشتها ورؤيتها رؤيا عين ، فما شاهدته اليوم فى محطة مترو حمامات القبة أمر تندى له الجبين وتدمع له العين ، وتأسف عليه النفس .
شباب فى سن المرحلة الإعدادية او الثانوية ، مات الحياء فى قلوبهم " وإن لم تستح فافعل ماشئت "
لا يتورع الواحد منهم ولا يخجل من ألفاظه البذيئة النابية ، ولا يكترث إن كان بجانبة رجل أو إمرأة ، ولا يعنية هذا ولا تلك ، ولا حياء عنده يمنعه.
ويتجاوز الواحد فيهم أيضا حدود الأدب ليتعرض بالقول والإشارة ، للبنات والسيدات ، وحقا من عدم الحياء ، فانتظر منه أفعالا حمقاء .
ولم ينتهى الأمر الى هذا الحد بل ان أحد منهم حاول عبور الرصيف ، وكلنا يعرف أنه يحظر عبور الرصيف من أمام المترو .
المهم أثناء عبوره كاد المترو أن يصدمه ويدهسه ، ولولا فضل من الله إذ تدخل أحد عمال المحطة ، وأشار للسائق فتوقف على الفور لينجو الشاب من موت محقق .
وكان على أمن المحطة أن يتدخل ، وذهب أحدهما للشاب ، وخرج به من رصيف المترو ، وحاول اصطحابه إلى حجرة أمن المحطة لكن الشاب الثائر ، وبعد 25 يناير ما كان ليرضى أن يمسك أمين شرطة بيدة ، كيف يحدث هذا !! ، وصرخ الشاب فى أمين الشرطة " سيب ايدى يا ابن ........." " انتى واخدنى على فين " وحينها تجمع أصحابه ورفقاؤه وأمسكوا بأمين الشرطة بين شاتم وضارب ، ولسانهم لا يعرف الا منطق السوء .
وتدخل اثنان من أفراد الأمن لإنقاذ أمين الشرطة ، لكن ثورة الشباب غلبت ، فتدخلنا نحن المتواجدون فى المحطة لابعاد الشباب ، وكف أذاهم وإن كنا نجحنا أن نمنع أيديهم من أن تصل إلى أمين الشرطة وفردى الأمن ، إلا أننا لم ننجح فى كف أذى لسانهم ، بل لم نسلم من الإهانة بالقول الجارح واللفظ الخارج .
وحينها قال عامل المحطة بلسان الحال هل هذا جزاء الإحسان ، وبلسان المقال قال " هو ده جزائى دا إنت كنت هتتقطع تحت المترو " ليرد الشاب بلسان سوء " عايز تاخدنى تدفعنى غرامة ده انا أطلع .......... أمك "
وحقيقة لا أستطيع وصف ما حدث ،ولا أستطيع أن أكيف تصرف هؤلاء الشباب ، وأصعب ما فى الأمر أن تجد الشاب ينصاغ لرغباته ، ولا يعرف احتراما لكبير ، أو هيبة لمكان ، وكأن الحرية هى التجاوز بالقول والفعل ، والحق هو أن تخترق القانون ، والثورة هى أن تجد من يناصرك على الباطل ، وأن تفلت من العقاب باسم الثورة .
وتلك لا ريب ليست ظواهر فردية أو حالة عارضة ، بل أصبحت واقعا مشاهد ،ومعايش يتكرر يوميا ، لنثبت أننا شعب يسيىء استخدام كل ما هو متاح لديه ، ويوظف الاشياء فى غير ما جعلت له .
يسيىء استخدام التكنولوجيا ، فالتكنولوجيا عنده إضافة جديدة إلى مواهبه فى الاستهلاك واضاعة الأوقات
يسىء استخدام الاحترام ليصل به إلى التملق والنفاق ، ويسىء استخدام التواضع ليصل به الى الخنوع والخضوع .
يشىء استخدام الثورة لتتحول عنده لمجرد صوت عالى ، وخروج عن المعهود ، ويسىء استخدام الحرية حتى تتحول حرية التعبير إلى حرية الإهانة والسخرية . وحرية التصرف فى البدن تتحول إلى حرية قتل المرء لنفسه أو تعاطى المخدرات ..
وأسيىء استخدام المدنية الحديثة ، فلم نأخذ منها غير تقليد أعمى للقشور وللغث منها والرخيص
حتى الدين لم يسلم من سوء الإستخدام فأناس تاجروا به ، وتظاهروا بالتمسك به ، دون فهم لجوهره ومحتواه . وأناس تنكروا له ، وعدوه مما عفا على أحكامه الزمن .
هذا الكلام أقوله على مضض ولكنه واقع الأمر ، ولسان الواقع ، من وجهة نظرى على الأقل .
وأعود الى حيثما بدأت لماذا لم تنجح الثورة إلى الآن رغم نبل أهدافها ؟
والجواب : أننا لم ننجح فى اصلاح أنفسنا ، ولقد انهزمت الأخلاق فينا ، وأصبح علو الصوت دليل الرجولة ، وأصبحت القدرة على الإهانة دليل الشجاعة ، والتطاول دليل الثورة ، وخرق القانون دليل التغيير . http://www.bilakoyod.net/details14391.htm lpl محمود طاهر المحامى