المساواة بين الخصوم فى مجلس القضاء بقلم محمود طاهر

إن من دواعى الإنصاف والعدل ،وتطبيقا للمساواة التى أرساها الإسلام بين الناس ،أن يكون المتخاصمان أمام القضاء سواء ، وإن كان الخصام بين أمير المؤمنين "رئيس الدوله" وبين أحد من عامة الناس
ومن الأمثلة الشاهدة على المساواة بين الناس ما وقع بين سيدنا عمر بن الخطاب و جبلة بن الأيهم - آخر ملوك الغساسنة- الذي جاء ليعلن إسلامه، وأثناء طوافه حول الكعبة داس أعرابي على طرف إزاره عن غير قصد فوقع جبلة على الأرض، فوقف ولطم الأعرابي على وجهه فهشم أنفه فشكاه إلى عمر فأمر عمر أن يلطم الأعرابي وجه جبلة.‏
اعترض جبلة قائلاً: " كيف تساويني به وأنا ملك وهو سوقة؟!" فقال عمر: " لاملوك في الإسلام؛ فالمسلمون كلهم سواء".
ولقد وضع الرسول- صلى الله عليه وسلم - القواعد التى يجب أن يتبعها القاضى تجاه المتخاصمين فى مجلس القضاء وقد قال صلى الله عليه وسلم " سو بين المتخاصمين فى لحظك ولفظك " وغير ذلك من الأقوال الشريفة التى تدور فى فلك الآيه الكريمه " كونوا قوامين بالقسط"
وقد سار القضاة المسلمون عبر مر التاريخ فى هدى هذا النهج ، وقد روى أن يهوديا شكا علي بن ابى طالب - رضى الله عنه - ، فقال عمر لعلى: قم يا أبا الحسن فاجلس بجوار خصمك ، ففعل على وعلى وجهه علامة التأثر، فلما فصل عمر فى القضية قال لعلى : أكرهت يا على أن تساوى خصمك ؟ قال على : لا ، ولكنى تألمت لأنك ناديتنى بكنيتى فلم تسو بيننا ، فخشيت أن يظن اليهودى أن العدل ضاع بين المسلمين "
الى هذا المدى كان حرص المسلمين على إقرار المساواة ، فعلى كرم الله وجهه استاء حين ناداه عمر بن الخطاب بكنيته ، ولم يفعل ذلك مع خصمه وخشى من أن يظن اليهودي بذلك أن العدل ضاع بين المسلمين.
فشريعة الإسلام حين يتحاكم الناس اليها يتساوى الجميع أمامها ،والعدالة فيها لا تتجزأ ،وهى في نظام الدولة كالفضيلة في حياة الفرد ، في رحاب الشريعة المؤمن والكافر أمام القانون سواء .، واذا كان هناك طوائف معادية .وبيننا وبينهم خصام ،فذلك كله يجب ابعاده عن مقتضيات العدالة وأحكام القانون ، ولا تمنع تلك العداوة من احترام قواعد العدل والمساواة .
قال تعالى :" ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون "( المائدة 8 )
ولطالما احتكم المسلمين وغير المسلمين إلى القضاء الإسلامي فكانت العدالة تفرض نفسها ،وينعم بها أطراف النزاع دون تفرقة. هكذا منحت الشريعة الإسلامية البشرية حق المساواة والعدل ومحت الفوارق الدينية أمام القانون كما محت الفوارق الطبقية ، وأهم ما يميز العدالة في الإسلام أنها نابعة عن دين، وهى للمسلمين خلق قويم يتعبد به . على عكس العدالة التي عرفتها الدول المعاصرة إذ هي وليدة ظروف معينة وليست خلقا أصيلا فيها. ("وكثيرا ما تجد اللصوص يتقاسمون ما سرقوه بينهم بالسوية.")

اهلآ وسهلآ استاذ محمود منور المنتدى اهلآ بيك
مع تحيات الاداره العامه لمنتدى شباب الوادى الجديد