[b]
إنطلاقا من المساواة التى قررها الإسلام للجميع والحرية التى منحها للكافه ،والعدالة التى أرست الشريعة قواعدها ودعائمها وجعلت كل ذلك حقوقا لصيقه بالإنسان، تولد معه وحذرت الشريعة من أن ينتقص انسان حقه ،أو أن يقع عليه ظلم ،وتوعدت من يفعل ذلك بالخسران فى الدنيا والآخره .
فكما سبق القول أن الحرية والمساواة مكفولة للجميع فى رحاب الشريعة الغراء .
مع ذلك تجد بعض المدعين زورا يثيرون شبهات حول مكانة المرأة فى الإسلام ، ويشككون فى هذه المساواة ، مع أنهم لو أنصفوا فى أبحاثهم ، وسعوا إلى الوصول للحقيقة لتبين لهم ،ما عليه المرأة فى الإسلام من مكانة لم ولن تصل إليها فى ظل أى نظام عرفته البشرية قديما وحديثا .
وفى هذا المقام نشير إلى ما منحه الإسلام للمرأة ، وما كفله لها من حقوق ، وكيف صانها ،وجعلها درة مصونة ، والمرأة هي أساس المجتمع، حيث هي الأم الحنون، والزوجة الصالحة، والأخت الفاضلة، فمن مدارسهن الحقيقية يتخرج الأبطال، وتتربى الأجيال، فهي المحور الحقيقي التي عليها صلاح المجتمع أو فساده.
وإن من أعظم النعم التي كرم اللَّه بها عباده المؤمنين أن شرع الله لهم شريعة قويمة وملة حنيفية، تنظم الإنسان والكون والحياة، تخاطب القلب والعقل والروح، وتحقق رغبات البدن دون تمادي إلى شهوانية حيوانية، أو دون حرمان الرهبانية كما تمارسه النصرانية والنيرفا الهندوكية، وهذا الدين هو دين الفطرة.
قال تعالى ": فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ "(الروم: 30).
وقال سبحانه: " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "(الأنعام: 153).
ومن محاسن هذه الشريعة القويمة تكريم المرأة وحمايتها والإحسان إليها، خلاف ما عليه الجاهلية الأولى من وأد البنات، وحرمان النساء من الميراث، واعتبارهن من سقط المتاع، فجاء هذا الدين حاكماً بأن (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )) (البقرة: 228 ).
قائلاً: "النساء شقائق الرجال" (1)، آمراً " استوصوا بالنساء خيراً")2 )
حاثاً " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"(3)
وقد قام المسلمون بأرقى تعامل عرفته البشرية مع المرأة، بل أشرقت حضارتهم على الأمم, وتعلمت منهم الشعوب الأخرى كرامة المرأة، ويعترف أحد الغربيين (كوغوستاف لوبون)بذلك حين يقول: "إن الأوروبيين أخذوا عن العرب مبادئ الفروسية وما اقتضته من احترام المرأة، فالإسلام إذن, لا النصرانية هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وذلك خلافاً للاعتقاد الشائع, وإذا نظرت إلى نصارى الدور الأول من القرون الوسطى رأيتهم لم يحملوا شيئاً من الحرمة للنساء. وعلمت أن رجال عصر الإقطاع كانوا غلاظا ًنحو النساء قبل أن يتعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى" (قالوا عن الإسلام د. عماد الدين خليل/431)
وردا على المبهورون اليوم بحضارة الغرب وقيمه، ظنا منهم ان لها الفضل فى إصلاح وضع المرأة فى المجتمع جاءت شهادة المنصفين من الغرب تكذب هذا الادعاء وتثبت أن إصلاح المرأة في الغرب إنما تم بعد احتكاك المسلمين في أسبانيا(الأندلس) بالغرب. وفي هذا يقول (مارسيل بوازار) "إن الشعراء المسلمين هم الذين علموا مسيحي أوروبا - عبر أسبانيا- احترام المرأة ( قالوا عن الإسلام409)
لقد كان حال المرأة قبل الإسلام مزريا وكانت تعامل معاملة السوء ولم يكن لها إعتبار أو كيان ، ولقد وصفها فلاسفة اليونان بأحط الأوصاف فقلد قال عنها أفلاطون أنها حياة الشر والفساد وكانت المرأة متاعا يورث ،ويقسم تقسيم السوائم بين الوارثين فأصبحت بفضل الإسلام صاحبة حق مشروع ترث وتورث ، ولا يمنعها الزواج من حرية التصرف فى مالها كما تشاء .
كانت المرأة قبل الأسلام وصمة تدفن فى مهدها فرارا من عار وجودها ، أو عبئا تدفن فى مهدها فرارا من نفقة إطعامها . فأصبحت بفضل الإسلام إنسانا مرعى الحياة ، يعاقب من يتعرض لها بسوء .
وكانت المرأة فى الحضارة اليونانيه والرومانية على أسوء ما يكون ، فشرائع الرومان كانت تستعبد المرأة ،وكهنة الكنيسة كانوا يرمونها بالنجاسة ،ويجردوها من الروح . وكان القانون الرومانى لا يعترف للمرأة بأى حق بل كان ينظر إليها على أنها ذات طبيعة منحطة .
وهاهو الشاعر اليونانى " سيموندس " يصف المرأة قائلا " جعل الله عند الخلق طبائع النساء مختلفة ، فجاءت إحداهن كأنما أخرجها الله من خنزير ، وأخرى كأنما أخرجها الله من ثعلبة ماكرة ،وثالثة كأنها الكلبة ............."
وهذا أافلاطون الفليسوف المعروف فى المدينة الفاطلة التى يراها جعل النساء فيها آخر طبقات المجتمع وجعلهم كلأ على الشيوع بين طبقة الحكام والفرسان "
ويخاطب الفليسوف الألمانى "نيتشه" الرجال بقوله " لا يذهب الرجل إلى المرأة إلا والعصا فى يده "
ولما كانت معظم القوانين الأوربية ذات صلة وثيقة بالقانون الرومانى ،ومرتبطه به فقد كان القانون الأنجليزى حتى القرن التاسع عشر يبيح للرجل أن يبيع زوجته .
وكان القانون الفرنسى يجعل تصرفات الزوجة المالية تابعة لمشيئة الزوج .
وإلى عام 1882 ظلت المرأة محرومة من حق تملك العقار ،ومحرومة من حق التقاضى .
أما الإسلام فهو وحده من أعطى للمرأة كامل حقوقها وصان لها شخصيتها رد عليها مكانتها فالقاعدة كما أكدها القرآن الكريم " فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ"
ولقد أعطت الشريعة الإسلامية لمرأة من الحقوق ما يتناسب مع ما عليها من واجبات . قال تعالى :"ولهن مثل الذى عليهن "
وأمر القرآن الكريم المسلم بحسن العشرة قال تعالى "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"
وقررت لها شريعة الإسلام أن لها أن تتكسب كما يكسب الرجال قال تعالى " لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً"
- حق المرأة فى إختيار من ستتزوج
يذكر أن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه هو فتى من العرب خطبا إمرأة ،وكان الفتى جميلا ً ، فارسلت إليهما المرأة لا بد أن اراكما وأسمع كلامكما فاحضرا إن شئتما فأجلستهم حيث تراهما ، فعلم المغيرة انها تؤثر عليه الفتى ، فأقبل عليه وقال لقد أ ُ تيتَ حسنأً وجمالاً، فهل عندك سوى ذلك ؟ قال نعم وعدد عليه محاسنه ، فسكت المغيرة ، ثم قال وكيف حسابك؟ فقال الفتى لا يسقط على منه شىء ، وإنى لأستدرك منه أقل من الخردلة . فقال المغيرة ولكنى أضع البدرة فى زاوية من البيت فينفقها أهل بيتى على ما يريدون فما أعلم بنفادها حتى يسألونى غيرها . فقالت المرأة : والله لهذا الشيخ الذى لا يحاسبنى احب إلي من الذى يحصى على أدنى من الخردلة ، وتزوجت من المغيرة .
والشاهد من هذه الرواية أن المرأة كان لها الحق فى ان تتخير زوجها بل وتفاضل كى تختار من يناسبها .
- حق المرأة أن تفارق زوجها اذا عافت عشرته .
زوجة ثابت بن قيس – حين كرهت زوجها – تمسكت بحقها فى مفارقته :
عن ابن عباس قال: جائت امرأة ثابت بن قيس إلى النبى- صلى الله عليه وسلم - يارسول الله ما أنقم على ثابت فى دين ولا خلق إلا أنى أكره الكفر فى الدين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفتردين عليه حديقته" فقالت : نعم فردت عليه ،وأمره ففارقها ؟ رواه البخارى .
ففى ظل شريعة الإسلام أنصفت المرأة وأعطيت حقوقها العادلة ، بعدما ظلمتها الجاهليات كلها ، فى الغرب والشرق. فحررها الإسلام من قيود الجهالة ، ورد لها مكانتها ،وكرمها وأعلى قدرها .وكرمها كإنسانة فهى الأم ،والبنت ،والزوجة كما أنها عضو فى الأسرة والمجتمع .
ولقد إعتد القرآن بإنسانيتها يوم اعتبرها أهلا للتكليف ، وخاطبها كما خاطب الرجل ، فهى تثاب وتعاقب كما يثاب ويعاقب الرجل.
قال تعالى:" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى "
قال تعالى :" فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ"
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-" النساء شقائق الرجال"
ولقد خاطب القرآن النساء كما خاطب الرجال وبين أنه من عمل صالحا فله أجره ولن يبخث من عمله شىء .
- قال تعالى:" إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً"
-
قال النسائي حدثنا محمد بن حاتم حدثنا سويد أخبرنا عبد الله عن شريك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم يا نبي الله مالي أسمع الرجال يذكرون في القرآن والنساء لا يذكرون فأنزل الله تعالى « إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات»
وتكريمها كأم لا يخفى على أحد فهى أحق بالصحبة ،و الجنة فى رضاها وتحت قدميها ، رضاها من رضا الرحمن ، وبرها من أفضل الأعمال . وأمر الإسلام بحسن صحبتها وإكرامها جزاءا لما قدمته لبنيها وأولادها .
وأما تكريمها بنتا فلقد أنكر الإسلام أشد الإنكار وأدها خوف الإملاق أو خشية العار .
قال تعالى :" وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً"
هذه الآية الكريمة دالة على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده لأنه نهى عن قتل الأولاد كما أوصى الآباء بالأولاد في الميراث وكان أهل الجاهلية لا يورثون البنات بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته فنهى الله تعالى عن ذلك
وفى الصحيحين " عن عبد الله بن مسعود قلت يا رسول الله أي ذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"
ويخبر تعالى عن قبائح المشركين فيقول " « إذا بشر أحدكم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم »
فلو لم يكن من فضائل الإسلام عليها غير تحريمه وقضاءه على وأد البنات لكفى بها فخرا .
كما أوجب الإسلام حسن تأديبها وتربيتها ، وألزم والدها بالإنفاق عليها إلى أن تتزوج ، وفرض على أبيها ألا يزوجها إلا برضاها أو بأذنها .
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "لا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ " . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا إِذْنُهَا ؟ قَالَ : " السُّكُوتُ " .
وكرمها زوجة فجعل لها من الحقوق مثل ما للرجل إلا درجة القوامة منحت للرجل على سبيل التكليف كى يقوم برعاية شئون الأسرة وكى يتحمل هو أعباء الحياة ، وأمر الإسلام بمعاشرتها بالمعروف،والإحسان إليها . كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "استوصوا بالنساء خيرا"
الإعتراف بإنسانيتها وأهليتها المدنية :
انكر الإسلام ما كان سائدا من إعتبار النساء شيئا لا كيان وإعتبارها متاعا يورث ،. فقد كان سائدا قبل الإسلام أنه إذا مات الرجل فإن أولياؤه أحق بإمرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤا زوجوها وإن شاؤا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها.وقد كان أهل الجاهلية إذا هلك الرجل وترك امرأة حبسها أهله على الصبي يكون فيهم فنزلت « لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها »
قال تعالى " « يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا»
كما قرر لها شريعة الإسلام أهليتها للبيع والشراء والكسب قال تعالى:" لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً"
وجعلت لها الشريعة حظا من الميراث قال تعالى « للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا »
وعليها كما على الرجل واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قال تعالى :" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
ولقد عارضت إمرأه رأى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فأذعن عمر لرأيها وقال أخطأ عمر وأصابت أمرأة. ولقد حاجته المرأة بما لديها من كتاب الله وقالت له حين أراد أن يضع حدا أقصى للمهور أيعطينا الله وتحرمنا أنت يا عمر فأذعن عمر لرأيها وقال أخطأ عمر وأصابت أمرأة.