موضوع: أويس القرنى ونور رسول الله صلى الله عليه وسلم الخميس ديسمبر 25, 2014 8:54 am
كان الإمام الحسن والإمام الحسين ، لما كانا صغيرين فى السن عندما كان الحَبيب صلى الله عليه وسلم كائناً بينهم ، وأنتم تعلمون أنهما كانا يلعبان بين يديه بل يتخذونه أحياناً مركباً يركبانه ويعتليان ظهره عند السجود
رُوى أنه صلى الله عليه وسلم خرج في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر وهو يحمل الحسن أو الحسين ، فتقدم النبيّ صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبَّر للصلاة ، فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها ، فقال الراوى: إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ، فرجعت في سجودي
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك هذه سجدة قد أطلتها فظننا أنه قد حدث أمر أو نزل الوحى ، قال: {فَكُلُّ ذٰلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرهْتُ أَنْ أُعَجّلَهُ حَتّى يَقْضِي حَاجَتَهُ}{1}
ودخل الحسن رضي الله عنه يوماً من باب مسجده الأنور ، وكان صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب فى جموع المسلمين ، فلما رآه الحسن قال: أبى أبى ومشى مسرعاً فتعثر فى ثوبه فوقع ، فما كان من الرحمة المهداة والنعمة المسداة إلا أن نزل من على منبره وأقام الحسن واحتضنه ورفعه وصعد به المنبر وأكمل خطابه للأُمه ، فصدق من وصفه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء107
هذه كانت أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت ابنة ابنته زينب تأتى إليه أحياناً فى الصلاة فيحملها واقفاً وراكعاً ويضعها بجواره عند السجود ، فإذا أراد القيام ثانية حملها عند نهوضه وهكذا يصلى وهو يحملها ، ياللرحمة
ومع ذلك فإن الحسن والحسين لما كبرا أرادا أن يتعرفا على صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم الظاهرية الحسية التى لم يتحققا بها لصغرهما فى حياة خير البرية صلى الله عليه وسلم ، فكانا يطوفا من وراء بعضهما على الوصَّافين الذين يستطيعون وصف رسول الله وياله من عمل شاق ربما تظنون غير ذلك ، ولكن الحقيقة أنه ما كان أحد من صحابته صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يصفه ، فأكابر الصحاب كانوا لا يستطيعون نعته
يقول عمرو بن العاص رضي الله عنه - وكان من أكابر العقلاء فى الصحابة ، بل من كبار الدهاة فى القادة – عند وفاته لابنه عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما: {يابنى ، لما بايعت رسول الله كنت أشد الناس منه حياءاً ما ملأت عيني من رسول الله حياء منه}{2}
وإذا كان حسان بن ثابت رضي الله عنه - وقد عاش مائة وعشرين سنة ، ستون سنة قبل الإسلام وستون بعد الإسلام – وكان حسان قد سمع وصْف النبى صلى الله عليه وسلم من اليهود مثل بقية الأنصار حيث عرفوا أن هناك نبى سيبعث فى مكة ويهاجر إلى المدينة، وأوصافه يعرفها اليهود لقول الله فيهم: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ} البقرة146
لما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سمع حسان بن ثابت - ولم يكن قد أسلم بعد - اثنين من اليهود يتحدثان بعدما شاهدا النبى صلى الله عليه وسلم ولا يرون حساناً ، فقال أحدهما للآخر: أهو هو؟ قال: هو هو بنعته الذى ذكره لنا موسى فى التوراة ، قال: وماذا تفعل؟ قال: لن أؤمن به ما حييت – فإنهم يعرفونه لكن الحسد يمنعهم من الإيمان به – فأراد سيدنا حسان أن يتحقق ، فذهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم وشاهد جمال محياه وقال فى ذلك:
لما نظرت إلى أنواره سطعت وضعت من خيفتى كفى على بصرى خوفاً على بصرى من نور طلعته فلست أُبصره إلا على قدرى
لما رأيت رسول الله وضعت يدى على عينى خوفاً من ساطعة الأنوار أن تحرق عينى ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يراه أصحابه نوراً ، أما الكافرون والجاحدون فيكفى فيهم قول الله: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} الأعراف198
لا يرون النور مثل إبليس عندما أُمر مع الملائكة بالسجود لآدم ، الملائكة رأت النور الموجود فى وجه آدم – وهو نور رسول الله صلى الله عليه وسلم - وإبليس عمىَ فلم يرَ إلا جسم آدم وطينته فامتنع عن السجود ، ولذلك قال سيدى على وفا فى ذلك:
لو أبصر الشيطان طلعة نوره فى وجه آدم كان أول من سجد أو رأى النمروز بعض جماله عبَدَ الجليل مع الخليل وما عند لكن نور الله جلَّ فلا يُرى إلا بتخصيص من الله الصمد
فكان صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أى إنسان من صحبه أن ينعته لشدة نورانيته وشفافيته صلى الله عليه وسلم ، فمن الذى نعته ووصفه؟ لا يوجد إلا الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه ، وأم معبد التى مرَّ النبى عليها فى الهجرة ووصفته لزوجها ، وهند بن أبى هالة وهو ابن السيدة خديجة ولكن من زوج آخر ، ولذلك هو خال سيدنا الحسن وسيدنا الحسين ، هؤلاء هم الثلاثة الذين استطاعوا أن يصفوا رسول الله ولم يستطع أحد من صحابته الذين يزيدون على المائة ألف وصفه
ويذكر التاريخ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصَّى أصحابه وقال فى جمع فيهم عُمر وعلىّ رضى الله عنهم أجمعين: {سيأتى من بعدى رجل من أهل اليمن يُدعى أويس القرنى آمن بى ولم يرنى ، منعه من المجئ إلى بره بأمه ، فإذا لقيتموه فأبلغوه منى السلام وسلوه أن يدعو الله لكم}{3}
وهذا هو السند الذى يعتمد عليه القوم فى الذهاب إلى الصالحين ، هل يحتاج سيدنا علىّ وسيدنا عمر فى الذهاب إلى الصالحين؟ إنه أمر من سيد الأولين والآخرين أن يبحثوا عنه ويذهبوا إليه ويسألوه أن يدعو الله لهم ، أمر
فكان سيدنا عمر رضي الله عنه يحج كل عام وينادى فى أهل اليمن: أفيكم أويس؟ يقولون: لا ، وفى مرة قالوا: ليس فينا إلا راعى غنم يسمى أويس ، قال: أين هو؟ قالوا: عند جِمالنا ، فتظاهر أنه لا يُبدى للأمر أى اهتمام وأشار إلى سيدنا علىّ أن يفعل كذلك ثم انسلا من القوم وذهبا إلى أويس وهو بمفرده
وقالا له: أأنت أويس؟ قال: نعم ، - وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد أعطاهم علامة له حيث قال لهم: أنه كان به برصٌ فشفى منه ولم يبق إلا موضع قدر الدرهم تحت إبطه – فقال له عمر: اكشف ذراعك وأرنا إبطك ، فرأى ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحقَّقا أنه هو، ودار بينهما الحديث ، وسأل أويس: هل رأيتما رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالا: بلى ، فأخذ سيدنا علىّ يصفه بالصورة الحسية الظاهرية ، قال: إنكم لم ترونه على الحقيقة ، عجباً
فذهبا إلى السيدة عائشة وذكرا لها ذلك فقالت: لقد رأيته الرؤية الحقيقية مرَّة واحدة ، كنت أُخيط له ثوباً على مصباح فهبت الريح وأُطفئ المصباح ووقع منى المِخْيط فدخل علىَّ صلى الله عليه وسلم فرأيت نوراً من الأرض إلى السماء ، ورأيت على هذا النور المِخْيط وأدخلت فيه الخيط ، رأته مرة واحدة لأنه نور الله الذى ذكره الله: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} المائدة15
{1} مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن شداد عن أبيه {2} الزهد والرقائق لابن المبارك ، تاريخ دمشق وغيرها {3} الإصابة فى تمييز الصحابة وفى الكثير من كتب المصادر ومراجع الحديث والسنة ووردت بصور عدة