«الوادى الجديد».. بلد التمر يشرب الدوم

كتب / أحمد عبدالسلام

«الوادى الجديد».. بلد التمر يشرب الدوم Photo

يعتبر الدوم المشروب الرسمى على مائدة الإفطار فى محافظة الوادى الجديد، خاصة بعد أن أصبحت حاجة الأهالى إليه ملحة فى رمضان، عوضا عن البلح وارتفاع أسعار الياميش، الذى يعتبرونه «غزوا ثقافيا».

أما «العيش الشمسى» فهو ملك المائدة طوال رمضان، حيث تحرص جميع الأسر فى مناطق الخارجة والداخلة وباريس وبلاط على خبزه، نظراً لمذاقه المميز وقيمته الغذائية فى وجبتى الإفطار والسحور، ما تسبب فى أن تعمل مخابز الخبز البلدى المدعم بنصف طاقتها خلال رمضان لقلة الطلب عليها.

إبراهيم خليل، أحد المهتمين بتأريخ عادات وتقاليد أهالى الوادى الجديد، يؤكد أن العيش الشمسى من الموروثات القديمة لأهل الواحات؛ ويضيف: «الكثير من الأسر مازالت تشترى الدقيق الحر من الأسواق لتخبزه فى منازلها، مع الاختلاف فى شكل الأفران التى أصبحت اليوم تعمل بالكهرباء، بالإضافة إلى البوتاجاز، بخلاف أيام زمان التى كانت تعتمد خلالها الأسر على الفرن البلدى المبنى من الطوب اللبن ويتم إشعاله من المخلفات الزراعية، حيث اندثرت الآن مع تمدن مناطق الوادى الجديد».

ويتابع «خليل» أن الدوم من النباتات المصرية الفرعونية، وله العديد من الفوائد الطبية والاقتصادية، وهو نبات صحراوى نشأ غرب النيل فى وادى الدوم، غرب أسوان وفى الناحية الغربية الشمالية للخارجة بالوادى الجديد، ويعد الدوم من الأشجار المعمرة، ويمتد عمرها لآلاف السنين، والقدوم المبكر لشهر رمضان هذا العام جعل المواطنين يقبلون على شراء الدوم وتحويله إلى عصير على مائدة الإفطار بدلا من البلح الذى يواصل نضجه فى سبتمبر المقبل.

ويوضح «خليل»أنه من الضرورى الاهتمام بزراعة أشجار الدوم ووضع برامج زراعية لضمان انتشارها، وتتسم ثمرتها بصفات طبية متميزة لقدرتها على خفض نسبة الكوليسترول ونسبة السكر فى الدم بالإضافه إلى تأثيره الجنسى الخاص بالهرمون الذكرى «التستوستيرون»، والذى يؤثر على القوة والذاكرة، لافتا إلى عدم وجود حصر رسمى بأشجار الدوم بالواحات.

وتقول زينب محمد، ربة منزل، إن تحضير العيش الشمسى بالرغم من كونه شاقا وصعبا؛ فإنه موروث عن الأجداد من سكان الواحات الأصليين؛ حيث إنه يتم وضع العجين قبل دخوله الفرن فى الشمس لمدة لا تقل عن ساعة ثم يتم وضعه فى الفرن حتى السواء ليخرج بعدها طازجا وجاهزا للأكل. وتشير الى أن «من يزرع الدوم لا يأكله»، لأنه يستغرق سنوات طويلة فى النضج، وزراعة نخيل البلح يلقى إقبالا متزايدا من الأهالى بسبب العائد الاقتصادى الكبير الذى يحققه البلح سنوياً للأسر الواحاتية.

وتؤكد حياة خاطر، موظفة، أن الرغيف الواحد من العيش الشمسى يكفى لإطعام فردين، كما أن وجوده داخل البيت فى الواحات يمثل للأسر أمانا واطمئنانا، خاصة فى شهر رمضان الذى لا تفضل فيه الأسر تناول الخبز المدعم؛ مشيرة إلى أن الأسر الواحاتية لا تستغنى عن العيش الشمسى والدوم خلال رمضان وأن «الخبز الإفرنجى» بأنواعه والياميش بأنواعه ما هى إلا مجرد «غزو ثقافى لطقوس واحاتية أصيلة» ـ حسب تعبيرها.

وتشير «حياة» إلى أن الخبز الشمسى يعد إحدى الهدايا التى يتم إرسالها إلى الأبناء الذين يتزوجون، حيث تحرص العائلات على إرساله إلى أبنائهم، خاصة حديثى الزواج منذ أول يوم من شهر رمضان، بالإضافة إلى أهمية وجود «العيش الشمسى» ومشروب «الدوم» خلال تجمع العائلة فى أغلب أيام رمضان على «طبلية» واحدة.

ويعد الإفطار الجماعى بالخبز الشمسى ومشروب الدوم من أهم مظاهر شهر رمضان، حيث يتم تنظيم موائد إفطار داخل المساجد، يشارك فيها العديد من سكان الحى الواحد، الرجال والأطفال، حيث كان يحرص سكان الواحات قديما على إقامة الموائد طوال رمضان لسكان الحى، لكن مع انتشار موائد الرحمن وزيادة الخصوصية للأهالى بسبب زيادة الكثافة السكانية الوافدة إليها؛ اندثرت هذه العادة وأصبح التعويض عنها من خلال الإفطار فى المساجد.