تستطيع أن تقرأ الفيلم على هذا النحو لعبة اسمها "ابن القنصل".. صانعا العمل الفني الكاتب "أيمن بهجت قمر" والمخرج "عمرو عرفة" يقدمان للجمهور هذه الطرفة لتمضية وقت الفراغ، ولا بأس مبدئياً من أن يصبح الضحك لمجرد الضحك هو الهدف الأول وأيضاً الأخير على شرط أن نضحك بجد!.
ساعتان إلا ربع، وتكتشف في الربع ساعة الأخير أن المخدوع لم يكن هو فقط البطل المشارك في الفيلم "خالد صالح"؛ ولكن الجمهور أيضاً كان طرفاً في تصديق تلك الخديعة.
الحالة العامة للفيلم كخطوط عريضة تحمل قدراً من المغامرة الفنية، ولا شك مثلما رأينا قبل ذلك في فيلم "آسف على الإزعاج" الذي كتبه أيضاً "أيمن بهجت قمر" رغبةً في اقتحام الأفكار غير التقليدية، وهو ما يحسب بالتأكيد للكاتب، ولكن ما يحسب عليه أنه لم يستطع هذه المرة تقديم لعبة جيدة الصنع.
السيناريو يلعب على "تيمة" الزيف الذي من الممكن أن نعيش فيه ونحن لا ندري حتى النهاية أنه زيف.. والإطار الواقعي للأحداث هو رغبة في الانتقام تلجأ إلى كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة.. الانتقام لا يموت بالتقادم، حتى لو مر عليه عقود ثلاثة أو يزيد من الزمان مثل بطل الفيلم "أحمد السقا" الذي شاهد وهو طفل كيف أن النصاب "خالد صالح" خدع أباه ولم يقاسمه الصفقة.
صحيح أن "خالد صالح" أمضى أكثر من 30 عاماً في السجن دخله شاباً وخرج منه عجوزاً هرماً يريد أن يعوض كل هذه السنوات، إلا أن أحمد السقا كبر في العمر، وكبرت معه أيضاً مشاعر الانتقام أن يثأر لوالده الراحل، ولهذا يحاول خداع "خالد صالح" باعتباره ابناً له تم إنجابه بعد دخوله السجن من فتاة ليل أدت دورها "سوسن بدر"، بينما هو لم يكن يدري شيئاً عن ذلك، يطلق "السقا" لحيته مما يوحي بانضمامه إلى تنظيم إسلامي غير مشروع.
داخل بيت "السقا" تدور الأحداث، يبدأ "صالح" في البحث عن امرأة لتعويض حرمانه الجنسي، فيعثر عليها عن طريق "النت" وتؤدي دورها "غادة عادل".
السيناريو يقدم معلومات متلاحقة للمتفرج ليستطيع في نهاية الأمر أن يصل إلى قناعة بأن ما يراه هو الحقيقة، ثم يصدمه قبل النهاية بتلك الخديعة.
ويشبه الفيلم في الربع ساعة الأخير طريقة الحاوي الذي يفصح لجمهوره في نهاية العرض عن طريقته في الخداع، فيقدم لهم لعبة بكل تفاصيلها، ويترك بعد ذلك مساحة لهم لكي يكتشفوا هم كيف استطاع خداعهم في باقي الألعاب، وحتى يصل المخرج إلى تحقيق ذلك لجأ إلى فكرة الأداء الكرتوني لأبطاله، وهو ما نجح فيه "خالد صالح" و"غادة عادل"، حيث تشعر من البداية بقدر من التصنّع تدرك أنه كان اختياراً موفقاً من المخرج بعد أن توقن أنها مجرد لعبة.
حاول "السقا" مجاراة "صالح" و"غادة" في هذا الأسلوب، ولكن كان يفلت منه أحياناً هذا الخيط الرفيع بين الواقع والكرتون، وهذه بالتأكيد مسئولية المخرج لأن أغلب الشخصيات كانت بها تلك المسحة الكرتونية مثل "خالد سرحان" أمير الجماعة الإسلامية.
ربما جنح "خالد صالح" كثيراً عندما استدعى داخل مكونات أدائه شخصية قديمة له هي الشيخ "مصباح" الضرير في مسلسله الناجح "تاجر السعادة" رغم الفارق بالطبع بين الشخصيتين على المستوى النفسي والفكري والعضوي، ولكني كثيراً ما كنت أرى الشيخ "مصباح" يطل عليّ ويحتل مقدمة الكادر بدلاً من "القنصل".
أغلب أحداث الفيلم داخل بيت "السقا"، حيث تعتمد على المفارقات الأقرب إلى روح المسرح، حيث يدخل الفنانون إلى صدارة الخشبة وتجري أشياء في الكواليس تراها بعد ذلك على خشبة المسرح.. كان دور المخرج هو أن ينقل أحياناً هذه الكواليس للجمهور ولا يكتفي بخشبة المسرح.
تنويعات انتحال الشخصية قدمت لنا في أكثر من مشهد مثل فكرة تزوير تأشيرة السفر إلى إيطاليا لتعبر مباشرة عن معنى الانتحال بأسلوب مباشر، وهكذا يأتي اسم "القنصل" كنوع من السخرية لطبيعة عمل "خالد صالح"، لأن القنصل هذه المرة أيضاً يمنح تأشيرات للسفر ولكنها مزورة.
روح الخداع
كان المخرج موفقاً في اختيار موقع العثور على الذهب، وهو مقبرة عائلة "خالد صالح"، وسبائك الذهب التي تم العثور عليها تذكرنا بالذهب "عادل خيري" في المسرحية الشهيرة "إلا خمسة" كل هذا يتماشى مع روح الخداع.
الفيلم أو الخدعة كان بحاجة إلى حالة ألق خاص في عناصره الموسيقى والديكور والمونتاج لكي يتماهى مع المنطق الافتراضي للحدث الدرامي، ولكن الشريط السينمائي كان يؤكد أن المخرج استسهل كل شيء، حتى أنه اضطر أن يحكي للناس في النهاية كل التفاصيل وتفاصيل التفاصيل.
أصول اللعبة كانت تقتضي أن توحي للمتفرج بأن يعيد الشريط السينمائي مرة أخرى، وكأن لديه شاشة خاصة به ليكتشف بنفسه أن هناك لقطات مواقف ما لو أنه أمعن فيها لاكتشف تلك اللعبة من البداية.
وبالطبع يأتي هذا الفيلم بعد إخفاقين متتاليين للسقا، وهما على التوالي "إبراهيم الأبيض" و"الديلر"، في هذه المرة لم يقدم "السقا" فاصلاً من الضرب والقنص كما تعود في أفلامه؛ ولكن لجأ إلى تقديم الكوميديا المباشرة، إلا أن النتائج في نهاية الأمر لم تشف غليل الترقب ولا تتوافق مع هزيمتين متتاليتين.. "ابن القنصل" مشروع لفيلم ضاحك مع الأسف ظل بعد نهاية عرض الفيلم مشروعا.
كتبه: الناقد طارق الشناوي